
“يا رب أنا عملت اللي عليا”.. صدى هذه العبارة لم يكن مجرد صرخة عابرة، بل بداية لحادثة هزّت أركان المؤسسة الأمنية المصرية، حين نفذ شبان مصريون ما وصف بـ”أجرأ عملية ميدانية” ضد جهاز أمن الدولة في قسم شرطة المعصرة بمحافظة حلوان جنوب القاهرة، في خطوة غير مسبوقة منذ أحداث 2013.
عملية جريئة في حلوان نصرة لغزة
وأطلقت مجموعة شبابية على نفسها اسم “الحديد 17” اقتحمت مبنى الأمن الوطني داخل قسم شرطة المعصرة، وتمكنت من احتجاز عدد من الضباط لعدة ساعات. العملية وثقتها مقاطع فيديو نشرت عبر قناة تليجرام تحمل اسم “طوفان الأمة” والتي تضم نحو 50 ألف مشترك.
وأظهرت الفيديوهات وجوهًا شابة تطالب بفتح معبر رفح وإنهاء الحصار عن غزة، مع توثيق حوار مثير مع أحد الضباط قال فيه إن فتح المعبر من الجانب المصري “مستحيل”.
وتمثلت الصدمة الأكبر في سهولة وصول الشبان إلى الطابق الرابع داخل قسم المعصرة، حيث مكتب الأمن الوطني. لكن روايات معتقلين سابقين كشفت أن إجراءات المراقبة الأمنية التي تفرضها وزارة الداخلية على السجناء المفرج عنهم تسهّل دخول المدنيين إلى هذا الطابق لتوقيع المتابعة الشهرية.
واستغل المنفذون وقت صلاة الجمعة، حيث تكون الحراسة الأمنية في الحد الأدنى، لتنفيذ اقتحامهم.
عملية حلوان تكشف وثائق خطيرة
وعقب العملية، نشر حساب “طوفان الأمة” صورًا لوثائق مسرّبة من مكتب الأمن الوطني، تظهر أسماء معتقلين ومختفين قسريًا ومتابعين أمنيًا، بينهم:
-
فتحي رجب حسان أحمد (من المتهمين في قضية “كتائب حلوان”)
-
أحمد نادي حداد درويش
-
عبد الرحمن رمضان محمد عبد الشافي (ورد اسمه سابقًا في منشورات مركز الشهاب)
وكشفت الوثائق عن وجود تصنيفات أمنية دقيقة تضم فئات مختلفة من المواطنين، ما أثار جدلاً واسعًا حول مدى تتبع الأجهزة الأمنية لحياة الأفراد وتفاصيل نشاطاتهم.
إنكار مألوف
وسارعت وزارة الداخلية المصرية لنفي الواقعة، ووصفت الفيديوهات بـ”المفبركة”، متهمة جماعة الإخوان بالوقوف خلفها. لكنها لم تنكر صحة الوثائق، بل زعمت أنها لا علاقة لها بالحادث.
ورد الوزارة قوبل بسخرية واسعة، خاصة بعد انتشار فيديو جديد لأحد الشبان المشاركين، ظهر فيه مصابًا وملابسه ممزقة، مؤكدًا أنهم ليسوا إرهابيين، بل دخلوا بـ”مسدس صوت” فقط، لإيصال رسالة للشعب المصري.
وفي مقطع الفيديو الأخير، أظهر الشاب المصري محسن مصطفى وعيًا عميقًا وانفجارًا شعبيًا يعكس معاناة الشباب وهموم القضية الفلسطينية، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء، ليكون صوتًا صادقًا يعبر عن مطالب حقيقية داخل المجتمع.
غضب شعبي يمتد من الداخل إلى الخارج
وقبل اختفاء قناة طوفان الأمة من تليجرام، بثت بيانًا صوتيًا تضمن تبني العملية من قبل شابين هما: أحمد عبد الوهاب ومحسن مصطفى.
وفي التسجيل، أكد المنفذون أنهم لا يتبعون لأي جهة أو تنظيم، بل وصفوا أنفسهم بـ”أحفاد عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص”، ووجهوا رسائل حادة ضد إغلاق معبر رفح وقمع الشعب المصري.
والعملية لم تكن حدثًا معزولًا، بل جاءت بعد أسبوع من حملة احتجاجات أمام السفارات المصرية في أوروبا، قادها ناشطون من أبرزهم أنس حبيب في هولندا، مطالبين بفتح معبر رفح وإنهاء “التواطؤ المصري مع الحصار الإسرائيلي”.
وهذه التحركات، سواء داخل مصر أو في الخارج، تعكس تحول الغضب الشعبي إلى فعل ميداني منظم، يعيد للأذهان بدايات ثورة يناير.
اجتماع غامض بعد عملية حلوان
وفي مقابلة مع الإعلامي مصطفى بكري، صرّح اللواء خالد مجاور محافظ شمال سيناء أن مصر “لا تستطيع فتح معبر رفح بالقوة” لأن ذلك سيضعها في مواجهة مع الولايات المتحدة، وهو ما اعتُبر اعترافًا خطيرًا بالخضوع لضغوط أمريكية وإسرائيلية.
وصباح السبت، أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية عن اجتماع بين عبد الفتاح السيسي ووزير الداخلية محمود توفيق، دون الإشارة إلى حادثة المعصرة.
وفي المقابل، ألمحت مواقع قريبة من النظام إلى حركة تنقلات وشيكة داخل وزارة الداخلية، دون تأكيد ما إذا كانت على صلة بالحادث.
واقتحام قسم المعصرة لم يكن مجرد اختراق أمني، بل تعبير واضح عن استياء شعبي متزايد من سياسات النظام تجاه قضايا وطنية وإنسانية، خاصة فيما يتعلق بحصار غزة.
وقد تمثل عملية حلوان بداية تحركات جديدة تعكس رغبة الشارع المصري في التعبير عن مطالبه وسط تحديات اقتصادية واجتماعية متصاعدة.