تحليلات واراء

هل ينفذ عباس انقلابًا في لبنان عقب فشل مخطط نزع سلاح المخيمات؟

يعيش المشهد الفلسطيني في لبنان حالة استثنائية من الغليان، على وقع تغييرات واسعة يفرضها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس داخل بنية السلطة ومؤسساتها الأمنية والدبلوماسية هناك عقب فشل مخطط نزع سلاح المخيمات.

جاءت هذه التغييرات، بحسب مراقبين، لتكشف ما يشبه «انقلابًا هادئًا» يسعى عباس من خلاله إلى إحكام قبضته على الساحة الفلسطينية في لبنان، عقب إخفاقه في تمرير الخطة الإسرائيلية-الأميركية الهادفة إلى نزع سلاح المخيمات الفلسطينية.

ولا يبدو توقيت هذه التغييرات عابرًا. إذ أصدر عباس سلسلة قرارات شملت إعادة تشكيل القيادة الأمنية لقوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان، وتعيين دبلوماسي جديد على رأس السفارة الفلسطينية في بيروت، إضافة إلى إقالة شخصيات إدارية ومالية وازنة.

إعادة هيكلة أمنية ودبلوماسية

على الصعيد العسكري والأمني، برزت قرارات بتعيين العميد فخر الدين محمد شحادة قاسم مديرًا لإدارة التدريب، والعميد محمود حسين محسن الحسن مديرًا لإدارة الأسلحة المركزية، والعقيد محمود عبد الرحمن سالم مديرًا لإدارة الإمداد والتجهيز، والمقدم عبد الهادي يحيى محمود الأسدي مديرًا لإدارة العلاقات العامة والإعلام، والعقيد أشرف نعيم إبراهيم الحاج مديرًا لإدارة التنظيم والإدارة، إلى جانب العميد مروان أحمد مرعي ناصر مديرًا للإدارة المالية العسكرية.

كما تقرر تشكيل لجنة لاستلام وتسليم مهام قادة المناطق والإدارات المركزية لقوات الأمن الوطني في الساحة اللبنانية، برئاسة اللواء صبحي أبو عرب، وعضوية العميد ناجح فرحان، العميد رائد داود، العميد إبراهيم سعد الدين، والعقيد باسم رشيد.

أما دبلوماسيًا، فقد أقال عباس السفير الفلسطيني لدى لبنان أشرف دبور، وعيّن مكانه السفير محمد الأسعد، الذي كان يشغل منصب سفير فلسطين لدى أوكرانيا بين 2010 و2019، وتولى مؤخرًا سفارة فلسطين في موريتانيا مطلع أبريل 2025.

كما شملت الإقالات مسؤولين ماليين وإداريين في السفارة، من أبرزهم حسن سالم، في خطوة وصفتها مصادر مطلعة بأنها «إعادة هيكلة شاملة» للسفارة والهيئات التنظيمية التابعة لها.

حالة غليان داخل “فتح”

تتزامن هذه القرارات مع توترات داخلية حادة في حركة فتح في لبنان منذ أسابيع، ووسط تصاعد دعوات إصلاحية تطالب بمعالجة ما اعتُبر «ترهلاً إداريًا وفسادًا» في بعض الأجهزة القيادية، إضافة إلى تذمر قواعد شعبية من الأداء السياسي والأمني للسفارة الفلسطينية في بيروت، خاصة في ظل تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين في لبنان.

وقد تفجرت هذه التوترات بشكل أوضح مع فشل مشروع سحب سلاح الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات، وهو مشروع تبنته بعض الأطراف الإقليمية والدولية، وكانت السلطة الفلسطينية تراهن عليه لتأكيد سيطرتها الأمنية والسياسية.

قيود واقعية أمام عباس

لكن المعضلة التي تواجه عباس تكمن في محدودية قدرته الفعلية على تنفيذ هذا المخطط، كما يشير جهاد حرب، مدير مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي، الذي يرى أن السلطة الفلسطينية لا تمتلك أدوات حقيقية للسيطرة على ملف السلاح في المخيمات، خاصة في الجنوب اللبناني.

وقال حرب: «قدرة السلطة الفلسطينية بهذه المرحلة على تحقيق إنجاز بملفات ذات علاقة باللاجئين الفلسطينيين والخوض بنزع أسلحة حركة فتح والفصائل في مخيمات لبنان، محدودة جدًا. السلطة الفلسطينية تعتمد بشكل رئيسي على القدرات اللبنانية التي ستتولى القيام بهذه المهمة».

ولفت إلى أن جزءًا كبيرًا من السلاح داخل المخيمات لا تسيطر عليه السلطة أو حتى منظمة التحرير الفلسطينية، بل بات في أيدي مجموعات مسلحة مستقلة، بعضها نما تدريجيًا على مدار سنوات طويلة، وأسس لنفسه حضورًا عسكريًا وسياسيًا قويًا داخل المخيمات.

معارضة سياسية وشعبية

لا تقتصر العقبات أمام عباس على البنية الأمنية فحسب، بل تتسع لتشمل رفضًا سياسيًا وشعبيًا واسعًا داخل المجتمع الفلسطيني في لبنان لأي محاولة لسحب السلاح من المخيمات دون تقديم ضمانات حقيقية للأمن والحماية.

الكاتب والمحلل السياسي محمود كلّم، عبّر عن هذه الهواجس في تساؤلات حملت نبرة الغضب والمرارة، إذ كتب قائلاً: «أيهما الصواب؟ هل نطالب بالحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين في لبنان، أم نستجيب لدعوات سحب السلاح من المخيمات، بكل أنواعه، في ظل غياب أي ضمانة لحمايتهم؟ وهل نسيت القيادة الفلسطينية مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982، التي ارتكبها شارون، شريكهم في “صنع السلام” في أوسلو؟».

ويضيف كلّم: «أليس من واجب من يتحدث باسم الشعب أن يتذكّر، لا أن يتنصّل؟ أن يحمي، لا أن يُعرّي؟ لقد تعب الفلسطينيون من الانتظار، ومن الخطابات المُنمّقة، ومن الإشارات الخادعة إلى التغيير. وحتى تُثبت القيادة أن هذه التحركات ليست فصلاً جديداً من فصول الاستهلاك السياسي، فإن الألم سيبقى عالقاً، والخذلانُ مستمرّاً، واليقينُ مفقوداً».

انقلاب أم محاولة إنقاذ؟

في ضوء ذلك، يتباين توصيف المراقبين لحراك عباس الأخير. ثمة من يراه انقلابًا هادفًا إلى إحكام السيطرة على الساحة الفلسطينية في لبنان وضبط مفاتيحها الأمنية والدبلوماسية، وربما تأمين مسار سياسي جديد يتماهى مع ضغوط إقليمية ودولية لنزع سلاح المخيمات.

بينما يرى آخرون في هذه التغييرات محاولة يائسة لإنقاذ ما تبقى من نفوذ السلطة في لبنان، بعدما تراجعت هيبتها وفقدت جزءًا من شرعيتها وسط قواعدها الشعبية.

يبقى السؤال الأهم: هل ينجح عباس فعلاً في فرض رؤيته، أم ستواجه خططه نفس مصير مخطط نزع سلاح المخيمات، في بيئة لبنانية وفلسطينية معقدة ترفض أي حلول تفرض من فوق دون توافق داخلي وضمانات حقيقية لحماية الفلسطينيين؟

حتى اللحظة، كل المؤشرات توحي بأن المشهد الفلسطيني في لبنان مقبل على مزيد من التوترات والصراعات الداخلية، وأن انقلاب عباس، إن جاز تسميته، قد لا يغير كثيرًا من واقع النفوذ المتشعب للسلاح والفصائل والقوى المتعددة داخل المخيمات الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى