
في الوقت الذي ينتظر فيه ملايين الفلسطينيين في قطاع غزة شاحنات الغذاء كأمل أخير للبقاء على قيد الحياة، يصرّ الاحتلال الإسرائيلي على تحويل هذا الأمل إلى أداة حرب وصراع. فالمجاعة لم تعد نتيجة عشوائية للحصار والعدوان، بل خطة ممنهجة تقوم على نشر الفوضى الخلاقة، حيث تتحول المساعدات الإنسانية إلى فخ قاتل يهدد حياة الجوعى قبل أن يصلهم أي طعام.
وأوضح مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، أن المساعدات القادمة إلى القطاع نادرًا ما تصل آمنة إلى مستحقيها.
وغالبية الشاحنات، وفق توثيق حكومي، تتعرض للنهب والسرقة نتيجة الفوضى التي يديرها الاحتلال عن عمد. أما عمليات الإنزال الجوي التي يروّج لها إعلامياً فلا تتعدى نصف شاحنة في كل مرة، وغالباً ما تسقط في مناطق خطيرة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي شرق جباليا وحي التفاح، ما يجعلها بعيدة عن متناول المدنيين.
وأكد الثوابتة أن الاحتلال يمارس مجازر مركبة بحق الجوعى، تبدأ بقصف فرق تأمين المساعدات التابعة للعائلات والعشائر، وتنتهي بالسماح للعصابات المحلية بالاستيلاء على الشاحنات تحت حماية الطائرات المسيّرة والرصاص الحي. بهذه الطريقة تتحول المساعدات إلى أداة لقمع الفلسطينيين وإطالة أمد الجوع والمعاناة.
هندسة المجاعة في غزة
ويكشف المشهد الإنساني في غزة اليوم عن سياسة إسرائيلية واضحة المعالم؛ سياسة تهدف إلى إطالة الحرب عبر هندسة الجوع والفوضى. المساعدات التي كان يُفترض أن تمثل شريان حياة للفلسطينيين أصبحت وسيلة لتفكيك الجبهة الداخلية، حيث يقتل الاحتلال طالبي المساعدات ويترك ما تبقى من الشحنات عرضة للنهب، في خطة محكمة لإضعاف المجتمع وكسر صموده.
ويرى المحلل السياسي إياد حمدان أن ما يجري ليس فوضى طبيعية، بل مشروع مدروس للفوضى الخلاقة. فغياب خطوط إمداد آمنة وندرة المساعدات يدفع بعض الأفراد إلى الثراء غير المشروع على حساب الدم الفلسطيني، فيما يُجبر آخرون على المشاركة في نهب الطرود بدافع الجوع القاتل.
ويؤكد حمدان أن هذه السياسة تستنزف المجتمع وتمنع أي فرصة لعودة الحياة الطبيعية حتى لو وصلت جميع قوافل المساعدات إلى المخازن.
المجاعة في غزة تتعمّق
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، يعيش القطاع أطول وأعنف كارثة إنسانية في تاريخه الحديث؛ إذ خلّفت الحرب أكثر من 205 آلاف شهيد وجريح، إلى جانب آلاف المفقودين ومجاعة تفتك بعشرات الأطفال يومياً.
وحذرت الأمم المتحدة من أن الإسقاطات الجوية للمساعدات لا تقدم حلاً حقيقياً، لأنها تغطي جزءًا ضئيلاً من الاحتياجات الهائلة، مشددة على أن الممرات البرية الآمنة هي الخيار الوحيد لإنقاذ الأرواح.
وفي ظل هذا المشهد القاتم، يحمّل الفلسطينيون الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية المسؤولية الكاملة عن المجاعة والفوضى المفتعلة والإبادة المستمرة، مطالبين بتدخل دولي عاجل وآلية أممية محايدة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها دون أن تتحول إلى أداة حرب جديدة.