شبكة أفيخاي وبروباغندا الاستسلام.. حماسة للذل تفوق حماسة الاحتلال

تواصل شبكة أفيخاي – نسبة إلى الناطق باسم جيش الاحتلال – الانخراط في حملة دعائية ممنهجة، تتقاطع معها أصوات وحسابات عربية وفلسطينية مشبوهة لنشر دعاية وبروباغندا الاستسلام عبر الضغط على فصائل المقاومة والجبهة الداخلية الفلسطينية.
وتعمل شبكة أفيخاي كذراع إعلامي يروّج للرواية الإسرائيلية، لكن المدهش أن بعض المنتسبين إليها يظهرون حماسة مفرطة لشروط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكأنهم أشد تمسكاً بها من الاحتلال نفسه.
إذ بينما يصفون شروط المقاومة – التي تتمحور حول وقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال – بأنها “مراوغة” أو “محاولة التفاف”، يقدّمون الاستسلام والمهانة باعتبارهما “الخيار العقلاني” لشعب محاصر ومقاومة تقاتل دفاعاً عن وجودها.
شبكة أفيخاي ويكيبيديا
ما يثير الانتباه أن شبكة أفيخاي لا تكتفي بنقل شروط نتنياهو، بل تعمل على تضخيمها وتجميلها. فخطابهم الإعلامي يُقدّم الشروط الإسرائيلية وكأنها “فرصة ذهبية للسلام” أو “الطريق الوحيد لإنهاء المعاناة”. وكأن الاحتلال الذي دمّر المدن وشرد الملايين فجأة أصبح “المنقذ” إذا ما قُبلت إملاءاته دون نقاش.
في المقابل، تُصوَّر مطالب المقاومة – بوقف القصف وإنهاء الحصار وانسحاب قوات الاحتلال – على أنها “تعجيزية”، مع أنها لا تعدو كونها أبسط حقوق شعب يُذبح يومياً.
وبحسب مراقبين فإن هذه المعايير المزدوجة تكشف جوهر شبكة أفيخاي: تسويق الاستسلام كخيار حضاري، وتجريم المقاومة كعقبة أمام السلام.
مناصرة الاحتلال أكثر من الاحتلال نفسه
المفارقة أن خطاب هذه الشبكة يتجاوز أحياناً خطاب قادة الاحتلال أنفسهم. فبينما يترك نتنياهو هامشاً للمناورة السياسية مع الوسطاء الدوليين، يتعامل مروّجو شبكة أفيخاي مع الشروط باعتبارها نصاً مقدساً لا يجوز تعديله أو مراجعته.
وهم يظهرون وكأنهم أوصياء على الرواية الإسرائيلية، وأشد حرصاً على تطبيقها من أصحابها، وهو ما يجعلهم أداة وظيفية متقدمة في الحرب النفسية على الفلسطينيين.
يكشف هذا الموقف المتشدد أن الغاية ليست فقط دعم الاحتلال، بل محاولة فرض الهزيمة النفسية على الشعب الفلسطيني من خلال خطاب عربي/محلي يُقدَّم بلسان “أبناء البلد”. فالاحتلال يعرف أن الرسائل التي تأتي من “داخل البيت” أكثر تأثيراً في محاولة كسر الإرادة الشعبية.
شيطنة المقاومة: معادلة مقلوبة
لا يتوقف الأمر عند تمجيد شروط نتنياهو، بل يمتد إلى شيطنة المقاومة. فشبكة أفيخاي تصوّر تمسك المقاومة بوقف الحرب والانسحاب الكامل كأنه “مؤامرة لإطالة أمد القتال”، بينما الواقع أن الاحتلال هو من يرفض أي حل لا يضمن استمرار قبضته على غزة.
هكذا تنقلب المعادلة: المعتدي الذي يقصف المستشفيات ويجوّع المدنيين يُقدَّم كطرف “واقعي”، بينما الضحية التي تدافع عن حقها في البقاء تُشيطَن وتُتَّهم بالمزايدة. إنها بروباغندا معكوسة تهدف إلى تجريم الدفاع عن النفس وتبرئة المجرم.
بموازاة ذلك تتغذى آلة الاحتلال الدعائية على هذه الأصوات، إذ تمنحها غطاءً محلياً يُظهر أن هناك “أصواتاً فلسطينية وعربية عاقلة” تؤيد شروط إسرائيل. وهو ما يُستثمر في الإعلام الغربي ليقال إن المشكلة ليست في الاحتلال، بل في “تعنت المقاومة”.
وبهذا، تتحول شبكة أفيخاي إلى جسر للتطبيع الإعلامي، حيث تشرعن العدوان وتُخفي جرائمه تحت لافتة “السلام الممكن”. فبينما يواجه الاحتلال انتقادات دولية متصاعدة بسبب المجازر، تقوم هذه الشبكة بامتصاص جزء من الغضب عبر تقديم خطاب مضاد يحمّل المقاومة المسؤولية عن الكارثة الإنسانية.
حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة
الأخطر في خطاب شبكة أفيخاي أنه يستهدف المعنويات الشعبية، إذ يحاول إقناع الفلسطينيين والعرب بأن المقاومة مجرد عبء يجرّ الويلات، وأن “الحل العقلاني” هو الرضوخ لشروط الاحتلال.
وأعضاء الشبكة ومرتزقة الاحتلال يستخدمون لغة عاطفية: “كفى دماراً، كفى موتاً، استسلموا لتعيشوا”، في محاولة لفصل الشعب عن مقاوميه.
لكن هذا الخطاب يتجاهل حقيقة بديهية: أن الاستسلام لا يوقف الموت بل يشرعنه، وأن الاحتلال لن يمنح “السلام” بل سيواصل سياساته التوسعية والقمعية. التجارب التاريخية – من العراق إلى جنوب لبنان – أثبتت أن الاحتلال لا يرحل إلا تحت الضغط والمقاومة.
وطنية زائفة في خدمة المحتل
تحاول شبكة أفيخاي إخفاء تبعيتها عبر ادعاء “الحرص على الشعب الفلسطيني”، فتارة يتحدثون بلسان “المعاناة الإنسانية”، وتارة يزعمون أنهم يريدون “إنقاذ غزة من حماس”. لكن جوهر الخطاب ينكشف بسرعة: تبرئة الاحتلال وتوجيه اللوم حصراً إلى المقاومة.
هذه الوطنية الزائفة لا تخدع أحداً، بل تكشف أن وظيفة الشبكة ليست سوى إعادة إنتاج خطاب الاحتلال بلغة محلية، لتسويق الإذعان على أنه إنقاذ، والتفريط على أنه حكمة سياسية.
وفي مقابل هذه الدعاية، يبقى الموقف واضحاً: مطالب المقاومة ليست “التفافاً” ولا “تعجيزاً”، بل هي شروط الحياة لشعب محاصر منذ عقدين. وقف الحرب يعني حماية المدنيين من المجازر، والانسحاب يعني إنهاء الاحتلال المباشر الذي يولّد الصراع.
ويجمع المراقبون على أن محاولة تصوير هذه المطالب كـ”تعنت” تكشف العقلية الاستعمارية التي ترى في الفلسطينيين مجرد رعايا عليهم قبول الفتات، بينما المطلوب منهم في الحقيقة التمسك بالكرامة والسيادة والحرية.
وفي النهاية، تكشف تجربة الأشهر الأخيرة أن شبكة أفيخاي ليست مجرد أداة دعائية بل منظومة لتطبيع الهزيمة، تُقدّم شروط نتنياهو على أنها قدر لا فكاك منه، وتُحاصر الوعي الشعبي بخطاب الاستسلام.
لكن هذه الحماسة المشبوهة لا تنجح في تغيير الواقع: فالشعوب التي قاومت الاحتلال تاريخياً – من الجزائر إلى فيتنام – أثبتت أن قوة الإرادة تتفوق على سطوة السلاح والدعاية، فيما يظل خطاب أفيخاي وأتباعه محاولة بائسة لشرعنة الذل لن تمر إلا في فضاءاتهم الافتراضية.