مصر تُحكم الحصار: شاحنات متعفّنة عند رفح ومساعدات فاسدة لسكان غزة

أثار وصول شحنات طعام ومساعدات إلى قطاع غزة ظهر أن جزءًا كبيرًا منها تالف وغير صالح للاستخدام الآدمي موجة غضب بين سكان القطاع، بالتزامن مع اتهامات متصاعدة للسلطات المصرية بالتواطؤ في تشديد الحصار عبر إبقاء معبر رفح مغلقًا لفترات ممتدة، وما ترتّب على ذلك من تكدّس للشاحنات وتعرّض المواد الغذائية للتلف تحت حرارة الصيف في شمال سيناء.
وتداول مواطنون فلسطينيون مقاطع تُظهر وصول طرود غذائية متعفّنة أو مغطّاة بعفن أسود نتيجة التعرض المطوّل للشمس والرطوبة خلال الانتظار على طرف الحدود المصري، وبينها مقطع بثته منصّات إعلامية يوثّق وجود خبز فاسد داخل صناديق مساعدات هوائية، قال سكان إنهم تلقّوها في شمال القطاع خلال فترات انقطاع الإمدادات الأرضية.
ورغم أن المقاطع لا تسمح دائمًا بالتحقق من الجهة المرسلة لكل طرد على وجه الدقة، فإنها تُظهر نمطًا متكررًا لفساد الأغذية بسبب التأخير وسوء التخزين والتكدّس أمام المعابر، وهو ما حذّرت منه منظمات دولية مرارًا.
وفي موازاة الفيديوهات المتداولة، وثّقت وسائل إعلام عربية وغربية شهادات لسائقي شاحنات ومورّدين عن فساد المواد الغذائية بعد بقائها أسابيع في طوابير تمتد عشرات الكيلومترات غرب رفح.
وقال سائقون إن الدقيق، والبيض، وبعض المعلّبات أصابها العطب، وإن كميات أُتلفت بالكامل قبل السماح لها بالعبور، أو جرى بيعها بثمن بخس في السوق المصرية لتفادي خسارة أشد، فيما ظلّ القطاع يعاني شحّ الغذاء.
تكدّس أمام المعابر وتلفٌ بفعل الحرارة
منذ سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الغزّي من معبر رفح مطلع مايو/أيار 2024، تراكمت مئات الشاحنات على الجانب المصري لشهور، مع إغلاق المعبر أو تعذّر التشغيل المنسّق له، ما خلق اختناقات حادّة في سلسلة الإمداد.
وقد حذّرت الأمم المتحدة ومسؤولون إنسانيون من أن بقاء الشاحنات في العراء تحت حرارة تتجاوز 40 درجة مئوية أدى إلى تلف واسع النطاق، وهو ما وثّقته تقارير وصور من العريش والطريق إلى رفح.
ونقلت وكالة “رويترز” في أكثر من تقرير شهادات مباشرة لسائقين قالوا إن بضائعهم فسد بعضها بعد انتظار امتد لأسابيع، من دون وضوح في آلية العبور أو جدول زمني ثابت، فيما أكّد آخرون أن نوعيات من الأغذية لم تعد آمنة للاستهلاك حين وصلت أخيرًا إلى غزة.
دور القاهرة والتواطؤ بالحصار
على الصعيد السياسي والإجرائي، أجمعت تقارير المنظمات الدولية على تواطؤ مصر في إغلاق معبر رفح وتعطيل إدخال إمدادات الإغاثة الإنسانية إلى قطاع غزة.
القاهرة نفت مرارًا مسؤوليتها المباشرة، مؤكدة أنها ترفض تشغيل المعبر طالما يسيطر الجيش الإسرائيلي على جانبه الغزّي، وتشترط عودته لإدارة فلسطينية، بينما حمّلت تل أبيبُ مصرَ مسؤولية إعادة فتحه والتنسيق.
وزعمت وزارة الخارجية المصرية أن “التصعيد الإسرائيلي” على معبر رفح ومنطقة فيلادلفيا هو السبب “الحصري” للإغلاق، وإن القاهرة لن تنسّق مع تل أبيب لإدخال المساعدات عبر رفح في ظل هذا الواقع.
في المقابل، ضغطت أطراف دولية لإيجاد ممرات بديلة عبر كرم أبو سالم، لكن الأمم المتحدة قالت مرارًا إن القيود الأمنية والعمليات القتالية تعوق التوزيع داخل غزة حتى عندما يسمح بمرور شحنات محدودة.
نقاط إعلامية مقابل نتائج هزيلة
يتهم ناشطون ومنظمات مجتمع مدني السلطاتَ المصرية بمحاولة تسجيل “نقاط إعلامية” عبر الإعلان عن دفعات مساعدات تُسيّر بين حين وآخر، في حين تبقى الكتلة الكبرى متكدّسة وتتعرّض للتلف.
ورغم التغطيات الرسمية التي تُظهر قوافل تعبر إلى غزة من معبر كرم أبو سالم أو عبر إسقاطات جوية متفرقة، فإن حصيلة الوصول الفعلي والآمن إلى المخازن ونقاط التوزيع تظل محدودة جدًا مقارنة بالحاجة، بحسب تقديرات أممية.
وفي مايو/أيار 2024، وثّقت وكالات أن بعض المواد الغذائية “بدأت تتعفّن تحت الشمس” على الجانب المصري بسبب إغلاق رفح، ما حدا بفرقٍ ميدانية إلى إتلاف كميات من البيض والغذاء الفاسد.
وأكدت تقارير مرئية ومكتوبة من العريش أن التكدّس طال حتى مياه الشرب والطحين، وأن مئات الشاحنات كانت تنتظر الإذن، فيما يتفاقم الجوع داخل القطاع.
المسؤولية القانونية والإنسانية
ينص القانون الدولي الإنساني على واجب أطراف النزاع تسهيل وصول الإغاثة بلا عوائق إلى المدنيين.
ومع أن دولة الاحتلال تتحكّم فعليًا بحركة المعابر والحدود ومناطق العمليات، فإن استمرار إغلاق رفح أو رفض تشغيله في ترتيبات انتقالية متفق عليها يُبقي مصر في مرمى انتقادات باعتبارها عقدة لوجستية أساسية لمسار الإمدادات إلى غزة.
ويصف عاملون إنسانيون الوضع في غزة بأنه حصار متعدد الحلقات:
تحكّم عسكري إسرائيلي يعطّل الفتح المنتظم للمعابر ويقيّد الحركة داخل القطاع.
انسداد سياسي وإجرائي في معبر رفح يُبقي شريان الحياة المصري مغلقًا ما لم تُعد ترتيباته إلى إدارة فلسطينية أو طرف ثالث، وفق الموقف المصري المُعلن.
اختناقات لوجستية تُحوّل المساعدات إلى “حمولات فاسدة” قبل أن تلامس أيدي الجائعين.
وقد حذّرت عواصم ومنظمات من أن تجريم الإغاثة أو تسييسها يفاقم المجاعة المتشكّلة أمام أعين العالم، مطالِبة بفتحٍ كامل ودائم للممرّات الإنسانية، وتمكين الأمم المتحدة من الوصول من دون عوائق.
وبينما تتنافس عواصم عربية على “الصور والدعاية الإعلامية” عند إدخال دفعات رمزية من الإمدادات الإنسانية إلى غزة، تبقى الخسارة الأكبر في الأرواح والكرامة الإنسانية، وفي طرود غذاء تُلفظها الشمس قبل أن تُطعم جائعًا واحدًا.
والحلّ، وفق المنظمات الدولية، يمرّ عبر فتحٍ كامل ومستقرّ للممرّات، وترتيبات تشغيل شفافة للمعابر، ومحاسبة كل طرفٍ يعطّل وصول الغذاء إلى من يحتاجه. وإلى أن يحدث ذلك، ستظلّ مقاطع التمر الفاسد والخبز المتعفّن مؤشّرًا مرئيًا على فشل المنظومة بأكملها، والتواطؤ في استخدام التجويع كسلاح حرب ضد الفلسطينيين من الاحتلال وأعوانه.