أديب شويكي… وجه القبح الإنساني في حصار غزة

وسط أرقام الموت والجوع التي تتصاعد يومًا بعد يوم في غزة، تتكشّف وجوه جديدة لم يكتف أصحابها بمراقبة المأساة من بعيد، بل انخرطوا في تحويل دموع الأطفال وآلام الجوعى إلى تجارة مربحة وصفقات مشبوهة.
في مقدمة هؤلاء يبرز اسم أديب شويكي، الذي تحوّل من ناشط إغاثي مزعوم إلى أحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل والاحتقار في الأوساط الفلسطينية والعربية، بعدما انكشف دوره القذر في تعزيز الحصار وتجويع الفلسطينيين خدمةً لمصالح الاحتلال الإسرائيلي وخططه.
رجل مزدوج الهوية… ومزدوج الولاء
لا تقتصر خطورة أديب شويكي على كونه مجرد مسؤول في مؤسسة إغاثية، بل تتضاعف بسبب خلفيته الأمنية والسياسية المعقدة.
فهو سوري درزي يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأمريكية، ويشغل منصب نائب رئيس مؤسسة “رحمة حول العالم”، التي يفترض أنها معنية بإغاثة سكان غزة المنكوبة.
لكن القنبلة التي فجّرتها تحقيقات صحفية وتقارير استخباراتية، أن شويكي ليس مجرد إغاثي، بل هو على صلة وثيقة باللواء الإسرائيلي السابق غسان عليان، المسؤول عن تنسيق إدخال الشاحنات إلى غزة عبر نفس المؤسسة، ما يكشف عن شبكة تنسيق أمني ومالي محكمة بين الاحتلال الإسرائيلي وبعض الواجهات الإنسانية المزعومة.
تجارة على حساب الجوع
من خلال منصبه في مؤسسة رحمة حول العالم، حوّل شويكي العمل الإنساني إلى أداة للابتزاز والربح الفاحش.
فقد أكدت تقارير موثوقة أن المؤسسة التي يقودها تفرض على كل شاحنة مساعدات تدخل غزة رسومًا تصل إلى 6000 دولار.
وكأن ذلك لا يكفي، تقوم المؤسسة أيضًا باختطاف ما تتراوح نسبته بين 10% و30% من محتوى الشاحنات، سواء كانت أغذية أو أدوية أو مواد إغاثية عاجلة يحتاجها أطفال ونساء وشيوخ غزة للبقاء على قيد الحياة.
في المحصلة، جنت مؤسسة رحمة ملايين الدولارات، وفق مصادر رسمية، حوّلت ملف الإغاثة إلى أكبر عملية استغلال إنساني تشهده المنطقة في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية.
فالفلسطينيون لا يواجهون فقط القصف والجوع، بل يواجهون كذلك لصوصًا يرتدون عباءة العمل الخيري، ويبيعونهم لقماتهم مرتين: مرة للاحتلال، ومرة في السوق السوداء.
شريك مباشر في الحصار
إن أخطر ما يفعله أديب شويكي ليس السرقة فحسب، بل كونه جزءًا من آلية حصار غزة.
فالمساعدات التي يُفترض أن تكون جسر حياة لأهالي القطاع، تحوّلت إلى أداة ضغط وإخضاع سياسي وأمني، يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي عبر وكلاء مثل شوكي لابتزاز الفلسطينيين وفرض شروطها عليهم.
واختلاس كميات ضخمة من المساعدات لا يعني فقط سرقة غذاء الجائعين، بل أيضًا إبقاء غزة في حالة عطش دائم للمساعدات، ما يجعلها رهينة للمنظمات “الخيرية” المشبوهة، وللتجار الجشعين الذين لا يتورعون عن استغلال الحصار لتحقيق مكاسبهم الشخصية.
وبسبب انكشاف حجم التنسيق الأمني والابتزاز المالي الذي تمارسه مؤسسة “رحمة”، أُجبرت على مغادرة مصر ومنعت من أي نشاط هناك، بعد اعتراضات قوية من المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني.
لكن المدهش أن أديب شويكي لا يزال حرًّا طليقًا، دون أي ملاحقات قانونية دولية أو إدانات قضائية، رغم أن أفعاله تُصنف بكل وضوح كجرائم حرب، لأنها تُسهم في استخدام الجوع كسلاح حرب، وهو فعل محظور بموجب القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
أخطر من الطائرات والدبابات
في غزة اليوم، لم يعد العدو الإسرائيلي وحده من يقصف ويقتل ويدمر. ثمة وجوه أخرى للعدوان، منها أديب شوكي، الذي يمارس دورًا لا يقل خطورة عن القصف الإسرائيلي.
فالحصار لا يُطبق على غزة بالصواريخ وحدها، بل يُطبق أيضاً عبر خنق شرايين الحياة، وسرقة المساعدات، وممارسة الابتزاز على شعب محاصر، يريد أن يعيش فقط.
ويؤكد مراقبون أن أديب شويكي يُجسد أبشع أشكال الانتهازية والانحطاط الأخلاقي، حين يتحوّل العمل الإنساني إلى وسيلة للإثراء الشخصي، وحين يضع يده في يد الاحتلال ليُحكِم الحصار على غزة، ويستثمر في معاناة أبنائها.
تساوق كامل مع خطط الاحتلال
ليس من قبيل المصادفة أن يجد أديب شويكي نفسه في موقع مفصلي يُمسك بخيوط إدخال المساعدات إلى غزة. فهذا هو جوهر استراتيجية الاحتلال: خلق أدوات فلسطينية أو عربية “مدنية” توهم الناس بأنها تعمل لصالحهم، بينما تؤدي في الحقيقة دور وكلاء الاحتلال في خنق غزة وإذلال شعبها.
فبفضل أمثال أديب شويكي، تستطيع دولة الاحتلال أن تروّج أمام العالم أنها لا تمنع دخول المساعدات إلى غزة، بينما يجري في الواقع تصفية جزء كبير من تلك المساعدات لصالح شبكات مالية وأمنية مرتبطة بالاحتلال، تاركةً الشعب الفلسطيني عالقًا بين الحصار العسكري والنهب الإنساني.
ويؤكد المراقبون أن فضح أديب شويكي وأمثاله لم يعد واجبًا إعلاميًا فقط، بل واجبًا إنسانيًا وأخلاقيًا. فمن دون مواجهة هؤلاء، ستبقى غزة رهينة لسماسرة الموت الذين يجمعون الملايين على أنقاض أجساد الجياع.
وقد أثبت شويكي أنه لا فرق بين من يضغط زر صاروخ على غزة، ومن يسرق دقيقها وزيتها ودواء أطفالها. كلاهما يقتل الفلسطينيين، وإن اختلفت الأدوات.
ومن هنا، يصبح المطلوب اليوم ليس فقط طرد “رحمة حول العالم” أو مقاطعتها، بل ملاحقة أديب شويكي شخصيًا كمجرم حرب، لأن سلاح التجويع الذي يمسك به لا يقل فتكًا عن سلاح الدمار الإسرائيلي.