تحليلات واراء

شبكة أفيخاي وترويج خطة المساعدات الإسرائيلية: وظيفة دعائية لضرب الجبهة الداخلية

في ظل الغضب الشعبي المتزايد من خطة المساعدات الإسرائيلية المفروضة على قطاع غزة، والتي تُعد جزءًا من أدوات الحرب الناعمة للاحتلال، برزت مجددًا “شبكة أفيخاي” كأداة لتلميع صورة الاحتلال.

أعضاء الشبكة لا يروجون فقط للخطة بوصفها “منفذ نجاة”، بل يتعمدون تشويه أي موقف شعبي أو فصائلي يرفضها، باعتباره تعنتًا أو تسييسًا للمساعدات، وهو ما يُعد امتدادًا للدور المرسوم لهم داخل البنية الدعائية الإسرائيلية.

خطة المساعدات: قناعٌ لحصار أطول وشرعنة للهيمنة

منذ إعلان الاحتلال عن خطته لتوزيع المساعدات في غزة بعد أشهر من الحرب والإبادة الجماعية، واجهت هذه الخطة انتقادات واسعة من منظمات الإغاثة، والحقوقيين، والمجتمع المدني الفلسطيني.

إذ أن الخطة في جوهرها لا تعترف بأدنى المعايير الإنسانية أو القانونية الدولية. فهي تُدار بالكامل من قبل الاحتلال، وتخضع لتصنيفه “الأمني”، وتُوزع بطريقة تضمن تكريس السيطرة الإسرائيلية على المعابر والمجال الجوي والبحري.

كما أنها تُنفذ في ظل تهجير قسري لمئات آلاف الفلسطينيين، وغياب أي إشراف فلسطيني مستقل، أو أي دور حقيقي لوكالات أممية سوى التبعية التامة للاشتراطات الإسرائيلية.

شبكة أفيخاي: وظيفة قذرة باسم “الواقعية”

هنا يظهر دور شبكة “أفيخاي”، وهم مجموعة من الناشطين أو المتحدثين الفلسطينيين الذين تبنّوا خطابًا متماهياً مع الرواية الإسرائيلية. يستعيرون مفردات مموهة مثل “الواقعية”، و”المسؤولية”، و”أولويات الناس”، لتبرير تسويق خطة الاحتلال كمشروع إنساني بحت.

وهم يتجاهلون عمدًا السياق السياسي والاحتلالي الذي يُنتج الكارثة الإنسانية في غزة، بل يلومون المقاومة والفصائل الرافضة للخطة، ويقدمون الرواية الإسرائيلية باعتبارها “الوحيدة القابلة للتطبيق”.

هؤلاء لا يروجون للخطة فقط، بل يسفهون المطالب الفلسطينية البديهية بإدارة فلسطينية مستقلة للمساعدات، ويدافعون عن إبقاء الاحتلال في موقع المانح والمراقب، وكأن الحرب لم تقع، وكأن الجرائم التي ارتكبها الاحتلال لا تستوجب مساءلته، بل منحه تفويضًا إنسانيًا بإدارة الحاجات الأساسية للضحايا.

إضعاف الجبهة الداخلية: الهدف غير المُعلن

تكمن خطورة هذا الترويج في كونه يتعدى الميدان الإعلامي إلى محاولة خلق وعي زائف داخل المجتمع الفلسطيني بأن القبول بالهيمنة الإسرائيلية على المساعدات هو الخيار الوحيد المتاح. أي أن الهدف غير المعلن لهذه الحملة هو ضرب الجبهة الداخلية الفلسطينية، وتفكيك وحدة الموقف الشعبي الرافض لتحويل الإغاثة إلى أداة استعمارية.

فحين يخرج من يُفترض أنهم أبناء القطاع، أو فلسطينيون من الضفة والداخل، ليدافعوا عن الاحتلال ويتبنون لغته، فإنهم لا يكتفون بتسويق خطته، بل يمنحونه غطاءً داخليًا يمكن توظيفه في مواجهة الانتقادات الدولية. وهذا بالضبط ما يطمح إليه الاحتلال: فلسطينيون يبررون الجريمة، ويُسوّقون القاتل كمُنقذ، ويكسرون روح الرفض والمقاومة من الداخل.

التواطؤ الرمزي والعملي: بين التطوع والمقابل

صحيح أن بعض أعضاء شبكة أفيخاي يقدمون أنفسهم كأصوات مستقلة، أو حتى “ناقدة”، لكن دورهم الوظيفي واضح. هم يمارسون تواطؤًا رمزيًا يُستثمر إسرائيليًا في الإعلام والسياسة والدبلوماسية.

واللافت أن بعضهم لا يكتفي بكتابة منشورات أو تغريدات، بل يظهر في تقارير إعلامية دولية كمصدر “فلسطيني”، يشرح “الواقعية الجديدة”، ويهاجم كل من يرفض خطة الاحتلال، ما يضاعف الأثر السلبي على الرأي العام الخارجي أيضًا.

أما من الناحية العملية، فالكثير من هؤلاء تلقوا تدريبات أو شاركوا في مشاريع “حوارية” أو “تنموية” بتمويل إسرائيلي أو غربي مشروط، وبعضهم يرتبط بمؤسسات تنسق مع الاحتلال أو تخضع لإشرافه الأمني.

أي أن الأمر لا يتعلق بمواقف فردية، بل بشبكة ذات أهداف متكاملة تعمل على تشويه أي موقف وطني مستقل، وتسويق الاحتلال كمصدر حلول بدلًا من كونه أصل المشكلة.

ازدواجية خطاب السلطة: بيئة حاضنة للترويج

لا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه السلطة الفلسطينية كبيئة سياسية وأمنية تهيئ لتمدد شبكة أفيخاي.

فخطاب السلطة الرسمي، خاصة عبر الإعلام الحكومي، لا يعارض خطة الاحتلال بشكل جذري، بل يتبنى صيغة ملتبسة تقول إن “الناس بحاجة إلى المساعدة”، دون أن تضع معايير واضحة لرفض الإملاءات الإسرائيلية.

وهذا الغموض المتعمد يُتيح المجال للمرتزقة الدعائيين للتوسع، وخلق انطباع بأنهم يمثلون خطًا مقبولًا أو حتى رسميًا في المنظومة السياسية الفلسطينية.

مقاومة الترويج: واجب وطني وإعلامي

إن مواجهة هذا الخطاب لا تقتصر على فضح الأفراد المنخرطين فيه، بل على تفكيك منطقهم، وكشف التناقضات الصارخة في مواقفهم، وربطها بمصالح الاحتلال.

كما يجب إنتاج خطاب بديل يؤكد أن المساعدات ليست بديلًا عن الحقوق، وأن الاحتلال لا يمكن أن يكون راعيًا للحل الإنساني الذي يُخفي تحته مشروعًا استيطانيًا لإعادة هندسة غزة، وفرض قيادة تابعة، وبيئة أمنية تخدم بقاءه.

الأهم أن يُفهم هذا الترويج كجزء من الحرب الشاملة التي يشنها الاحتلال: ليست حرب صواريخ وطائرات فقط، بل حرب على الوعي، وعلى روح التمرد، وعلى حق الفلسطينيين في أن يكونوا هم من يُعرّفون مأساتهم، ويقودون معركتهم.

وبالمحصلة فإن شبكة أفيخاي ليست مجرد حالة فردية أو ثقافية، بل أداة دعائية ذات طابع وظيفي، تخدم أهداف الاحتلال الاستراتيجية في فرض مشروعه الإغاثي الاستعماري، وإعادة تشكيل الجبهة الداخلية الفلسطينية.

والتعامل معها يجب أن يكون على هذا الأساس: باعتبارها طرفًا في الصراع، وشريكًا في الجريمة، حتى وإن ادّعى أصحابها غير ذلك. فالكلمات التي تبرر العدوان، أو تصوّره كحل، هي جزء لا يتجزأ من آلة الإبادة نفسها، ولو جاءت بلسان فلسطيني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى