
في خطوة مثيرة للجدل تُضاف إلى سلسلة التحركات الإقليمية المريبة التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، كشفت وكالة بلومبيرغ الأميركية، عن مخطط سعودي-فرنسي مشترك يهدف إلى نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية حماس تمهيداً لتفكيكها وتحويلها إلى كيان سياسي منزوع الأنياب.
ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة، رفضت الكشف عن هويتها، أن مسؤولين سعوديين أجروا بالفعل اتصالات مباشرة مع قيادات في حركة حماس، في محاولة لتمرير هذه الخطة، فيما لم يتضح بعد ما إذا كانت باريس قد انخرطت في محادثات مماثلة.
وامتنعت وزارة الخارجية السعودية عن التعليق على هذه التسريبات، وهو ما يُنظر إليه كإقرار ضمني بخطورة ما يجري.
ووفقًا للمصادر، فإن الهدف من هذا المشروع هو تجريد حماس من سلاحها وتحويلها إلى “جهة سياسية” قابلة للتعايش مع الاحتلال، في سياق إعادة تشكيل الحكم الفلسطيني وفق قواعد تضعها قوى خارجية.
ويبدو أن العرض المغري يتمثل في منح الحركة هامشًا سياسياً محدودًا في مقابل التخلي الكامل عن سلاح المقاومة، في خطوة تُعتبر طعنة مزدوجة من ظهر الرياض وباريس للمشروع الوطني الفلسطيني ولمظلومية غزة تحت الحصار والإبادة.
لكن هذه المقاربة، بحسب محللين، لن تمر دون عوائق، إذ تعارضها إسرائيل بشدة وتتمسك برفض قاطع لأي دور لحماس في مرحلة ما بعد الحرب، ما يعكس التناقض الصارخ بين أجندة الرياض-باريس ومطالب تل أبيب، رغم ما يجمع الأطراف الثلاثة من سعي مشترك لتصفية فصائل المقاومة.
مؤتمر مشترك لتسويق “الدولة” وفق شروط الاحتلال
وتأتي هذه التحركات السعودية-الفرنسية في ظل تصاعد التوترات بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على خلفية جهود فرنسية لتسويق “حل الدولتين” دولياً.
ومن المقرر عقد مؤتمر في الأمم المتحدة الشهر المقبل برعاية مشتركة من باريس والرياض، في محاولة لتجنيد دعم دولي لـ”حل الدولتين”، لكن على ما يبدو، وفق الشروط الإسرائيلية والعربية المعتدلة، لا على أسس عادلة تحفظ حقوق الفلسطينيين.
وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن فرنسا تأمل بانضمام عدة دول أوروبية للمبادرة، منها البرتغال وبلجيكا ولوكسمبورغ، مع إشارة خاصة إلى تحفّظات رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر الذي لا يزال يرفض الاندفاع الفرنسي.
وفي المقابل، أطلق سفير الاحتلال لدى الأمم المتحدة داني دانون حملة مضادة بالتنسيق مع الولايات المتحدة لعرقلة المبادرة، وهو ما يكشف تناغمًا واضحًا بين الموقفين الإسرائيلي والأميركي، مقابل محاولة فرنسية سعودية لتجميل صورة مشروع سياسي عقيم لا يُعيد أرضاً ولا يُوقف نزيف الدم.
خيانة موصوفة؟
ويرى مراقبون أن التحركات السعودية باتت تنكشف يومًا بعد يوم بوصفها متماهية مع الأجندة الإسرائيلية والأميركية في ضرب المقاومة الفلسطينية، سواء عبر المساهمة في تشويه صورة المقاومة، أو من خلال الرهان على مشاريع “الترويض السياسي” الذي يجهز على ما تبقى من إرادة فلسطينية مستقلة.
وبينما تنشغل غزة بالدمار والموت والجوع، تنشغل بعض العواصم، وفي مقدمتها الرياض، في طبخ صفقات خاسرة تتوسل رضا الاحتلال، وتتبنى سياسة التطبيع الكامل على حساب دماء الشهداء والمقاومين.