تحليلات واراء

فيديو: الشارع المصري يصفع إعلام السيسي في ملف غزة

في الوقت الذي صعّدت فيه وسائل الإعلام المصرية المقرّبة من السلطة هجومها الإعلامي على فصائل المقاومة الفلسطينية، لا سيما في غزة، جاءت ردود الفعل الشعبية المصرية مناقضة تمامًا، في مشهد يعكس الهوّة المتزايدة بين الرسالة الرسمية وبين نبض الشارع.

فبينما عمد الإعلام المصري إلى تحريض فجّ ضد المقاومة، واتهامها بـ”توريط مصر”، و”استفزازها” عبر مطالبتها بهبّة شعبية لنصرة غزة، جاءت ردود الشارع المصري لتوجّه صفعة قوية لهذا الخطاب، مؤكدة أن التضامن الشعبي مع غزة لا يخضع لتوجيهات أمنية ولا يتأثر بالدعاية السلطوية.

إعلام التحريض وتزييف الأولويات

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، دأبت قنوات مصرية كبرى مثل “صدى البلد”، و”القاهرة والناس”، و”دي إم سي”، وغيرها، على إعادة إنتاج رواية الاحتلال بشكل غير مباشر، من خلال التركيز على الخسائر المصرية المحتملة، أو التهويل من تأثير الحرب على الأمن القومي المصري، وخصوصًا في ملف معبر رفح.

وازداد الهجوم حدةً بعد أن دعت فصائل فلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، إلى تحركات شعبية عربية دعما لغزة، معتبرة أن “الصمت لم يعد مقبولًا”، وأن “السكوت العربي يشجع الاحتلال على مواصلة الإبادة”.

حينها، تحركت ماكينة الإعلام المصري بشكل فوري، واتهمت المقاومة بـ”التدخل في الشأن المصري الداخلي”، وتحدث بعض المعلقين عن “وقاحة سياسية”، فيما لمّح آخرون إلى أن المقاومة “تُحرج الدولة المصرية”.

الشارع يرد: غزة ليست عبئًا

لكنّ ردّ الشارع المصري جاء مختلفًا بالكامل. فمع توسع حملة التحريض، بدأت مظاهر التضامن الشعبي مع غزة تأخذ أشكالًا متعددة، من التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي التي عبّرت عن الغضب من تواطؤ النظام مع الحصار، وصولًا إلى حملات تضامن سرية رغم القيود الأمنية.

ولم يكتف المتضامنون بإدانة العدوان الإسرائيلي، بل وجهوا انتقادات صريحة للسياسة الرسمية المصرية، متهمين النظام بـ”تسييس المعابر”، و”منع دخول المساعدات”، وتحويل ملف غزة إلى فرصة للابتزاز السياسي والتجاري.

وعي تاريخي لا تقدر السلطة على محوه

يحمل الشارع المصري ذاكرة وطنية راسخة في التضامن مع القضية الفلسطينية، تعود إلى أيام عبد الناصر، وتمرّ بمسيرات دعم الانتفاضة، ولا تنتهي بثورة يناير التي شهدت دعوات واضحة لإسقاط كامب ديفيد.

وقد تجلى ذلك مرة أخرى في 2025، حين رفض المصريون الانجرار خلف خطاب التخوين، ورفعوا شعارات في السوشيال ميديا تؤكد أن “غزة ليست عبئًا”، و”مقاومة الاحتلال ليست جريمة”.

بل إن هاشتاغات مثل #افتحوا_معبر_رفح و#غزة_تُباد و#التطبيع_خيانة تصدرت المنصات المصرية لفترات طويلة، متجاهلةً تمامًا السردية الإعلامية الرسمية.

معبر رفح في قلب السجال

شكل معبر رفح نقطة الاشتعال الكبرى في هذا الخلاف بين السلطة والشارع.

فبينما روّج الإعلام الرسمي لفكرة أن مصر تُقدّم ما تستطيع، وأن المعبر يُدار وفق معايير سيادية، فضحت تسريبات ومقاطع فيديو متعددة أن المعبر يُفتح بمقابل مالي باهظ، وأن السلطات تمنع مرور المساعدات في أوقات حساسة، ما أثار موجة من الغضب الشعبي.

وتحوّل المعبر إلى رمز للخذلان الرسمي العربي، في مقابل صمود المقاومة وتضحيات الغزّيين، وظهرت على الجدران في بعض أحياء القاهرة شعارات كتبها شبان تقول: “فتحوا النار… وأغلقوا الأبواب”، و”نحن محاصرون في القاهرة كما هم في غزة”.

التشكيك بالمقاومة لم يُقنع أحدًا

رغم محاولات الإعلام المصري تصوير فصائل المقاومة – خصوصًا حماس – على أنها “تتاجر بدماء أهل غزة”، و”تستخدم المدنيين دروعًا بشرية”، إلا أن هذه الخطابات لم تلقَ رواجًا واسعًا.

بل على العكس، عبّر عدد من المثقفين المصريين، من تيارات قومية ويسارية، عن دعم واضح للمقاومة، معتبرين أن حق الفلسطيني في مقاومة الاحتلال لا يعلو عليه شيء، وأن التشكيك في نوايا المقاومة يخدم رواية العدو.

اللافت أن بعض المذيعين المؤيدين للنظام اضطروا للتراجع عن خطابهم الهجومي بعد تصاعد الانتقادات على مواقع التواصل، وهو ما يكشف عن قوة تأثير الرأي العام الشعبي رغم محاولات تهميشه.

سيسي بلا شارع… ومقاومة بلا إعلام

أبرز ما يكشفه هذا المشهد هو أن النظام المصري فقد منذ زمن القدرة على توجيه المزاج العام في القضايا الوطنية الكبرى، وأن الرأي العام المصري أصبح أكثر وعيًا بحدود الخطاب الرسمي، وأكثر جرأة في رفض روايات الإعلام الأمني.

وفي المقابل، تظهر المقاومة الفلسطينية، رغم غيابها عن المنابر المصرية، حاضرة في وجدان الناس، ومحفورة في ذاكرتهم، بما لا تستطيع حملات التضليل الإعلامي محوه.

ومع كل قصف على غزة، وكل صورة لطفل جائع أو شهيد، يفقد الإعلام المصري الرسمي المزيد من مصداقيته، ويكسب الشارع المصري رصيدًا جديدًا في وعيه الوطني والإنساني.

ورغم الحصار الإعلامي والسياسي، لا يزال الشارع المصري وفيًا لبوصلته التاريخية: فلسطين قضية العرب الأولى، والمقاومة شرف، والتواطؤ خيانة.

لذلك، فإن كل محاولات تسويق الخطاب الرسمي – الذي يبرر الصمت، أو يُشيطن المقاومة، أو يُجرّم التعاطف – محكوم عليها بالفشل، لأن الشعب لا ينسى من يقف مع المظلوم، ومن يصطف مع القاتل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى