معالجات اخبارية

تحقيق: موجات البث الإذاعي الإسرائيلية مليئة بالدعاية المؤيدة للإبادة الجماعية

كشف تحقيق لصحيفة الغارديان البريطانية أن موجات البث الإذاعي الإسرائيلية مليئة بالدعاية المؤيدة للإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة منذ أكثر من 20 شهرين.

ورصد التحقيق مجموعة من 20 من أكثر التصريحات إثارة للغضب التي أدلى بها المشرعون أو الشخصيات العامة الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر 2023.

وبحسب التحقيق فإنه بعد “الضربة الاستباقية” التي شنتها دولة الاحتلال على إيران في وقت سابق من هذا الشهر، والتي تزامنت مع تزايد الحديث عن الإبادة الجماعية، تحوّلت الأنظار عن غزة. لكن الهجوم الإسرائيلي على غزة (والضفة الغربية) مستمر بوتيرة متسارعة.

ومع تراجع الضغط الدولي في الآونة الأخيرة، يُخشى أن الأصوات الأكثر تطرفاً في دولة الاحتلال قد باتت أقرب من أي وقت مضى لتحقيق أهدافها الرامية إلى جعل غزة “مكاناً لا وجود فيه لإنسان”، بحسب عبارة الجنرال المتقاعد جيورا إيلاند في مقال بصحيفة إسرائيلية بتاريخ 12 أكتوبر 2023.

هذا التصريح لم يكن استثناءً، بل جزءاً من تيار متصاعد من الخطاب الإعلامي والسياسي في دلة الاحتلال يبرر الحرب الوحشية ضد غزة كحرب إبادة، لا مجرد مواجهة مع حركة حماس وبقية فصائل المقاومة.

دعوات صريحة للإبادة

تتوالى التصريحات الصادمة التي تكشف حجم التحريض الممنهج على العنف الجماعي.

تقول ماي جولان، وزيرة المساواة الاجتماعية والنهوض بوضع المرأة في الحكومة الإسرائيلية، في اليوم الأول للهجوم الإسرائيلي: “يجب تدمير جميع البنى التحتية في غزة من جذورها وقطع الكهرباء عنها فوراً. الحرب ليست ضد حماس، بل ضد دولة غزة”.

بل إن التشبيهات النازية وجدت طريقها إلى الخطاب الرسمي. ففي ديسمبر 2023، قال ديفيد أزولاي، رئيس مجلس مدينة المطلة شمال إسرائيل، في مقابلة إذاعية: “يجب تدمير كل شيء [في غزة] كما يحدث اليوم في أوشفيتز”.

ووصل الأمر إلى رأس الدولة. ففي 13 أكتوبر 2023، أعلن إسحاق هيرتزوج الرئيس الإسرائيلي، في مؤتمر صحفي: “إنها أمة بأكملها مسؤولة عن ما يجري. ليس صحيحاً هذا الخطاب حول المدنيين غير المدركين أو غير المتورطين، إنه غير صحيح على الإطلاق”.

تحريض علني عبر الأثير

الأخطر من التصريحات المكتوبة أو الخطابات السياسية، هو البث الإذاعي والتلفزيوني الذي يغذي خطاب الكراهية ويضفي عليه شرعية جماهيرية.

أظهرت تحقيقات الغارديان أن قنوات إذاعية وتلفزيونية إسرائيلية، خصوصاً القناة 14 اليمينية، تحولت إلى منصات يومية للتحريض على الإبادة الجماعية.

في مقابلات إذاعية، دعا نواب وشخصيات عامة إلى محو غزة بالكامل. كتب نيسيم فاتوري، نائب رئيس الكنيست، في 7 أكتوبر 2023: “الآن لدينا جميعاً هدف مشترك – محو قطاع غزة من على وجه الأرض”.

وأضاف في 9 أكتوبر: “لن يرضينا أي شيء آخر… لا تتركوا طفلاً واحداً هناك، بل اطردوا جميع من تبقى في النهاية”.

وفي فبراير 2025، ذهب أبعد من ذلك قائلاً في إذاعة كول بارما: “يجب فصل الأطفال عن النساء، ويجب إقصاء البالغين في غزة. نحن نبالغ في مراعاة مشاعرهم”، مضيفاً أن الفلسطينيين “أقل من البشر”.

وقال إسحاق كرويزر، عضو حزب “عوتسما يهوديت”، في مقابلة إذاعية: “يجب تدمير قطاع غزة، وعقوبة واحدة عليهم جميعاً هي الموت”.

القناة 14: بوق التحريض

كشف تحقيق الغارديان أنّ القناة 14، التي كانت محطة هامشية متخصصة، تحولت إلى واحدة من أكثر المنصات مشاهدة في إسرائيل، حتى صارت تبث رسائل متطرفة بشكل يومي. وقد طالبت ثلاث منظمات حقوق مدنية بفتح تحقيق مع القناة بسبب دورها في “تطبيع” دعوات الإبادة الجماعية.

ران كوهين، مدير الكتلة الديمقراطية الإسرائيلية، قال للغارديان: “ليس الأمر مجرد بضع أصوات معزولة تصرح بأمور شنيعة في لحظة غضب. هناك نمط ممنهج ومستمر ومنظم لتحريض متواصل. لقد وثقنا مئات التصريحات، العديد منها من قِبل مقدمي برامج وضيوف دائمين، تُبث يومياً في منازل الإسرائيليين ويشاهدها الجنود مباشرةً. لقد تم محو الخط الفاصل بين الإعلام والدعاية الحربية”.

أبرز الأمثلة على ذلك تصريحات شاي غولدن، مذيع القناة 14، الذي قال في 17 أكتوبر 2023: “نحن قادمون إلى غزة. نحن قادمون إلى لبنان. سنأتي إلى إيران. سنبيد العدو. سنعيد الشرق الأوسط إلى حالة يخشى فيها العرب اليهود… لإبادتكم. لإبادتكم. لإبادتكم”.

وفي منشور آخر حُذف لاحقاً، دعا إيلاد براشي، منتج تلفزيوني في القناة 14، إلى “محرقة” ضد الفلسطينيين في غزة، قائلاً: “غزة تستحق الموت… بكل الطرق الممكنة. يجب أن نُنفذ عليهم محرقة – أجل، اقرأ ذلك مرة أخرى – محرقة! بالنسبة لي، غرف غاز. عربات قطار. وأشكال أخرى وحشية من الموت لهؤلاء النازيين”.

من الخطاب إلى الميدان

كل هذه التصريحات لا تأتي بمعزل عن الواقع على الأرض. فقد تجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين في غزة عشرات الآلاف، بينهم آلاف الأطفال والنساء. البنية التحتية مدمرة، والمجازر تتوالى، والتهديدات بتحويل غزة إلى “أرض محروقة” تتحقق يوماً بعد يوم.

وإن كان العالم مشغولاً بأزمات أخرى أو منشغلاً بالحسابات الجيوسياسية، فإن ما كشفه تحقيق الغارديان يعيد تذكير الجميع بحقيقة دامغة: إن ما يجري في غزة ليس مجرد حرب على المقاومة، بل حرب إبادة، تُبَث دعواتها علناً عبر الأثير الإسرائيلي، لتصل إلى كل بيت وكل جندي، في تحريض جماعي على محو شعب كامل من الوجود.

وختمت الغارديان: اليوم، بات لا أحد في الغرب أو في العالم يستطيع التذرع بأنه لم يكن يعلم. فالأدلة صارخة، والتحريض موثّق بالصوت والصورة. يبقى السؤال: متى سيتحرك العالم لمنع إبادة تتغذى على موجات الأثير الإسرائيلي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى