معالجات اخبارية

الاحتلال يقطع الاتصالات للمرة العاشرة: تعتيم متعمد يعمّق الكارثة الإنسانية في غزة

يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائمه بحق أكثر من 2.4 مليون فلسطيني محاصرين في قطاع غزة، حيث أقدم للمرة العاشرة منذ بدء عدوانه الدموي، على قطع الاتصالات والإنترنت بشكل كامل عن القطاع، في خطوة تُعدّ امتدادًا لحرب الإبادة الجماعية التي تدخل شهرها العشرين بلا توقف.

ولا يمكن النظر إلى هذا الانقطاع إلا بوصفه جريمة، تهدف إلى فرض عزلة مطلقة على غزة، وتغييب الحقيقة عن العالم، في ظل مجازر مستمرة تُرتكب بحق المدنيين في الخفاء.

فبينما تتساقط القنابل على رؤوس النساء والأطفال، تُغلق نوافذ التواصل وتُخنق أصوات الاستغاثة، وتُحرم العائلات من معرفة مصير أحبّائها، وتُعجز الطواقم الطبية عن التنسيق للوصول إلى الجرحى.

عزلة مطلقة في زمن الإبادة

شهد القطاع، منذ بدء الحرب العدوانية في أكتوبر 2023، سلسلة من الانقطاعات الشاملة لشبكات الاتصال والإنترنت، تزامن معظمها مع تصعيدات عسكرية كبيرة وقصف مكثف بحق المدنيين.

وفي كل مرة يُقطع فيها الاتصال، تنقطع معها الحياة: العائلات تُصبح بلا وسيلة للتواصل، فرق الإسعاف تفقد قدرتها على الاستجابة السريعة، والعاملون في المجال الإنساني يُشلّ عملهم.

كما تفقد المؤسسات الإعلامية آخر أدواتها لنقل الصورة من داخل القطاع المحاصر، وسط منع الاحتلال التام لدخول الصحفيين الدوليين والمراقبين الحقوقيين إلى غزة.

جريمة متكررة بأدوات تقنية

إن تكرار هذا الانقطاع لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُفهم كأثر جانبي أو عارض ناتج عن الأوضاع العسكرية. بل هو إجراء مُتعمّد تقف خلفه أوامر عسكرية عليا ضمن استراتيجية محسوبة لفرض تعتيم شامل.

وتستخدم دولة الاحتلال في ذلك وسائل تكنولوجية متقدمة لتعطيل البنية التحتية للاتصالات، سواء عبر الاستهداف المباشر للأبراج والمحطات، أو عبر تقنيات التشويش والتحكم في الشبكات.

ويشير خبراء حقوقيون وتقنيون إلى أن التحكم بشبكات الاتصال في أوقات الحرب يشكّل أحد أدوات القمع الحديثة، ويُعد انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الإنساني، خاصة حين يُستخدم بهدف تعطيل خدمات الطوارئ، ومنع تدفّق المعلومات، وحرمان المدنيين من الحق في التواصل وطلب النجدة.

تعميق الكارثة الإنسانية

ليست الكارثة في غزة ناجمة فقط عن القصف والقتل، بل تتجلى أيضًا في الحرمان المتعمّد من مقومات الحياة الأساسية ومنع التوصل مع العالم الخارجي.

وتتعاظم آثار هذه الجريمة حين تتزامن مع مجازر جماعية في مناطق معزولة، كما حدث في رفح، ودير البلح، ومخيم الشاطئ، حيث يكون الصمت الرقمي غطاءً لإبادة بدم بارد، لا يعلم بها أحد حتى تعود الشبكة مؤقتًا لتكشف جانبًا ضئيلًا مما جرى.

وتعتمد دولة الاحتلال في حربها النفسية والإعلامية على تشويه الرواية الفلسطينية، وشيطنة الضحية، وتضليل المجتمع الدولي، ومن هنا فإن منع نقل الصوت الفلسطيني هو جزء جوهري من أدوات الاحتلال في هذه الحرب المفتوحة على الوعي.

دعوات لتحرك دولي عاجل

رغم النداءات الحقوقية المتكررة، فإن ردود فعل المجتمع الدولي ما تزال دون الحد الأدنى من المسؤولية.

فقد أدانت منظمات حقوق الإنسان هذه الانقطاعات بوصفها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، إلا أن غياب إجراءات ملموسة من الأمم المتحدة، والاتحاد الدولي للاتصالات، وسائر الهيئات الدولية، يعطي الضوء الأخضر للاحتلال بمواصلة جرائمه.

وتتحمّل الولايات المتحدة الأمريكية، الداعم الرئيسي للاحتلال، مسؤولية مضاعفة في هذه الجريمة، سواء عبر توفير الغطاء السياسي، أو من خلال تواطئها الصامت مع الجرائم الإلكترونية والرقمية التي تُستخدم في قمع الشعب الفلسطيني.

ورغم شدة الحصار، فإن أهالي غزة يواصلون صمودهم الاستثنائي، إذ يلجأ بعض النشطاء والصحفيين إلى أدوات بديلة مثل الأقمار الصناعية أو الشهادات المسجلة مسبقًا لتوثيق ما يمكن توثيقه. لكنّ ذلك لا يعوض أبدًا غياب الاتصال الفوري، ولا يُعيد الحياة لمن ماتوا بصمت.

ويؤكد مراقبون أن تكرار قطع الاتصالات والإنترنت ليس مجرد “أداة حربية” بل هو سلاح إبادة يستخدمه الاحتلال في إطار حرب شاملة تستهدف الإنسان الفلسطيني في حياته، وذاكرته، وصوته، وحتى موته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى