معالجات اخبارية

شبكات النفوذ والتهريب.. القصة الكاملة لفرار مؤمن الناطور من غزة

لم يكن خروج المحامي مؤمن الناطور من قطاع غزة حدثًا عابرًا يمكن وضعه ضمن سياق الفوضى التي فرضتها الحرب، بل تحوّل سريعًا إلى واحدة من أكثر القصص إثارةً للجدل.

فالرجل الذي قدّم نفسه لسنوات كناشط شعبي، ظهر فجأة خارج القطاع عبر عملية تهريب لم تكن فردية ولا عشوائية، بل جزءًا من شبكة متشابكة من العلاقات والاتصالات مع شخصيات ومنظمات مرتبطة بدوائر إسرائيلية معروفة.

والاعتراف الذي دوّنه الناطور بنفسه فور وصوله أوروبا كان المفتاح الأول الذي كشف خيوط العملية.

شبكات النفوذ والتهريب

وفي منشوره الأخير، كتب مؤمن الناطور بوضوح أنه تواصل مع عهد الهندي عندما شعر بأن حياته باتت في خطر، وأن الأخير تولّى “الترتيبات” التي أمنت له طريق الخروج.

وهذا الاعتراف لم يكن مجرد تفصيل جانبي، بل كشف مسارًا موازياً لحركة الناطور داخل غزة قبل هروبه، إذ كان يحتمي لفترة في المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات القتيل ياسر أبو شباب شرق رفح، خشية محاسبته على ارتباطاته المشبوهة.

ومن داخل تلك المنطقة، كان يسجّل مقابلات صحفية لصالح منصة “جسور” وغيرها من الأدوات الإعلامية المرتبطة بالاحتلال، ما يعكس مستوى الحماية التي كان يحصل عليها.

وهذا التصريح فتح الباب على تاريخ عهد الهندي الذي لطالما أثار الشبهات، فاسمه يرتبط بنشاط سياسي وإعلامي واسع خارج المنطقة، وعلاقات مع منظمات تُتَّهم بالعمل لصالح “إسرائيل” والترويج لخطابها في الغرب.

كذلك اعترف الناطور بأنه كان على تواصل مباشر مع جوزيف برودي، رئيس مركز اتصالات السلام، الذي أشرف بدوره على تنسيق عملية الإجلاء عبر إيطاليا.

وبهذه الاعترافات، بدا واضحًا أن العملية لم تكن مبادرة شخصية، بل مهمة نفذتها شبكة نفوذ تمتلك علاقات متداخلة مع مؤسسات داعمة لإسرائيل، ووفرت للناطور المسار والحماية وصولًا إلى خروجه من غزة.

من هو عهد الهندي؟

وسيرة عهد الهندي وحدها كافية لفهم طبيعة الشبكة التي أحاطت بعملية الهروب، يقدّم نفسه ككاتب وباحث، عاش سلسلة من التحولات المثيرة، بدءًا من اعتقاله في سوريا على خلفية شبهات تتعلق بالعمل لصالح الاحتلال، مرورًا بانتقاله إلى الولايات المتحدة وانخراطه في مؤسسات إعلامية وسياسية تُعرف بدعمها الصريح لـ”إسرائيل”.

كما ارتبط اسمه بمنظمات مثل CAMERA وUN Watch، وشارك في حملات تطبيع عابرة للحدود، وكتب لمنصات إسرائيلية، وأدار مشاريع إعلامية تُتهم بخدمة اللوبي الصهيوني.

والأخطر، أنّه وصل إلى غزة في نوفمبر 2023 في مهمة غامضة ارتبطت بتدريب مجموعات مسلحة غير خاضعة للسلطات المحلية، بقيادة العميل ياسر أبو شباب شرق رفح، ومع هذه الخلفية، يصبح دوره في تهريب الناطور عنصرًا أساسيًا في فهم طبيعة العملية.

هروب مؤمن الناطور لإيطاليا

واختيار إيطاليا كنقطة خروج للناطور أثار مزيدًا من الأسئلة، خاصة أن العملية جرت وفق “ممر آمن” بالتنسيق مع جهات أوروبية.

وتتقاطع هذه المعطيات مع تقارير تحدثت عن وجود شبكات تدريب أمنية مرتبطة بالموساد في شمال إيطاليا، إضافةً إلى النشاط الإعلامي الذي تديره هديل عويس داخل الدوائر الغربية، وهي شريكة عهد الهندي ومقربة من نفس المنظمات.

كما لعب مركز اتصالات السلام، الذي يرأسه برودي، دورًا واضحًا في ترتيب عملية الخروج، وهو مركز معروف بتنظيم مؤتمرات تطبيع، أبرزها مؤتمر أربيل عام 2021، وتقديم رواية مؤيدة لإسرائيل في المحافل الدولية.

من هو مؤمن الناطور؟

وقبل الهروب بسنوات، برز مؤمن الناطور كأحد الوجوه النشطة في حراك “بدنا نعيش”، لكنه ظهر لاحقًا في صور مسلحة إلى جانب ميليشيات ياسر أبو شباب شرق رفح.

وهذه المجموعات اتُّهمت بتزويد الاحتلال بمعلومات ميدانية وإرباك توزيع المساعدات في المناطق الخاضعة للمراقبة الإسرائيلية، وهذا التحول دفع عائلته لإعلان البراءة منه، مؤكدة أنه بات جزءًا من مجموعات تخدم أجندات الاحتلال.

وعلى مستوى الخطاب، اتخذ الناطور موقفًا واضحًا ضد المقاومة، وروّج لروايات تحملها مسؤولية الدمار في غزة، متجاهلًا القصف الإسرائيلي وجرائم الحرب، ومتبنيًا لغة أمنية تصف المقاومة بأنها “مشكلة يجب اقتلاعها”.

وبهذا السلوك، لم يعد الناطور مجرد ناشط، بل أصبح يتعامل مع جهات عميلة للاحتلال ويتبنّى سرديته بالكامل، ليقدّم نفسه عمليًا كأحد أدواته الإعلامية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى