“يانصيب قاتم”: أطفال غزة المصابون بالسرطان يقتلون ببطء

بينما تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي قصف المستشفيات في قطاع غزة، تُمنح تصاريح خروج نادرة لعدد محدود من الأطفال المرضى، في مشهد وصفته صحيفة الغارديان البريطانية بأنه “يانصيب قاتم”، حيث تتحكم سلطات الاحتلال الإسرائيلي في مصير الأطفال الفلسطينيين الذين يصارعون أمراضاً قاتلة مثل السرطان، وسط حرب مدمرة أغلقت أبواب العلاج في وجههم.
من بين هؤلاء الأطفال، أحمد (13 عاماً) وقاسم الأسطل (15 عاماً)، اللذان نُقلا مساء الأربعاء من غزة إلى الأردن برفقة والدتهما زينب، بعد أيام من المعاناة في مستشفى أوروبي مدمر بخان يونس.
تقول زينب عقب عبورها الحدود الأردنية: “لقد أنقذنا هذا الإجلاء الطبي، كنا نشاهد السقف يتهاوى فوق رؤوسنا قبل 24 ساعة فقط”.
مستشفيات مدمرة ونظام صحي منهار
الهجمات الإسرائيلية تسببت في تدمير واسع للمرافق الصحية في غزة. بحسب الغارديان، فقد أُغلق ثلث مستشفيات القطاع كلياً، بينما تعمل المستشفيات المتبقية بجزء محدود من طاقتها، مكتظة بضحايا الغارات الجوية، في ظل نقص حاد بالأدوية والمعدات، وتراجع أعداد الكوادر الطبية بسبب القتل والاعتقال.
ويقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن أكثر من 12 ألف فلسطيني بحاجة ماسة للعلاج خارج غزة، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل استمرار الحصار والهجمات.
ورغم الدعم المبدئي من منظمة الصحة العالمية، إلا أن منح تصاريح الخروج يخضع لموافقة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يحول حياة المرضى وعائلاتهم إلى معركة بيروقراطية طويلة.
في بعض الحالات، تمنح إسرائيل تصاريح فردية، رافضةً السماح بمرافقة أفراد الأسرة، كما حدث مع الطفلة سما (9 سنوات) المصابة بورم في الدماغ، والتي أُجبرت والدتها على خوض معركة إضافية للحصول على إذن لمرافقة طفليها معها.
“رفضت أن أترك ابني الصغير يواجه أهوال الحرب وحده”، تقول إسراء، والدة سما. وبعد أسابيع من الانتظار، سُمح لها أخيراً بمرافقة طفليها إلى الأردن.
طريق شاق إلى العلاج
رحلة الإجلاء نفسها كانت شاقة ومهينة. فبدلاً من النقل الجوي المباشر، كما اقترح الأردن، أصرت السلطات الإسرائيلية على نقل المرضى براً، ما أدى إلى تأخير الرحلة لساعات طويلة.
والمجموعة التي ضمت الأخوة الأسطل ومرضى آخرين أمضت يوماً كاملاً في السفر عبر الأراضي المحتلة، بما في ذلك ست ساعات من الانتظار القاسي دون مياه.
في واقعة أخرى، استولى جنود الاحتلال على أموال وممتلكات عائلات فلسطينية كانت عائدة إلى غزة بعد تلقي العلاج في الأردن، عند معبر كرم أبو سالم، في 13 مايو.
أزمة إنسانية تتفاقم
منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، استشهد أكثر من 15 ألف طفل فلسطيني جراء القصف الإسرائيلي، وفقاً لوزارة الصحة في غزة. لكن هناك وجهاً آخر للمأساة لا يقل دموية: الأطفال الذين يموتون ببطء بسبب أمراض يمكن علاجها، لولا الحصار الإسرائيلي.
الطفلة روان، المصابة بعيب خلقي في القلب، تنتظر منذ نهاية 2024 الحصول على تصريح لمغادرة غزة لإجراء عملية جراحية عاجلة. شقيقها توفي قبل أسابيع، بعد معاناة مماثلة في قائمة الانتظار.
“النظام الصحي في غزة ينهار”، يقول جوناثان كريكس، المتحدث باسم اليونيسف، مشيراً إلى أن المستشفيات تعاني من نقص حاد في أدوية التخدير ومضادات التخثر، ما يجعل تقديم العلاج للأطفال المصابين بالسرطان أمراً شبه مستحيل.
مأساة سوء التغذية والمرض
إلى جانب الإصابات المباشرة، يواجه أطفال غزة موجة قاتلة من سوء التغذية. منذ مارس 2025، توفي 57 طفلاً بسبب نقص الغذاء والدواء، بعد أن شددت إسرائيل حصارها ومنعت دخول المساعدات الإنسانية.
“الأطفال محاصرون في دائرة مميتة من الجوع والمرض”، تحذر منظمة الصحة العالمية، مؤكدة أن سوء التغذية يضعف قدرة الأطفال على مقاومة الأمراض الشائعة، ويحوّل الإصابات العادية إلى تهديدات قاتلة.
ورغم التصريحات الأممية والمبادرات المحدودة، تبقى معظم الحالات الحرجة عالقة خلف جدران الحصار. مبادرات مثل تلك التي تم التوصل إليها بين الأردن والإدارة الأمريكية سمحت بإجلاء عشرات الحالات، لكنها لا تمثل سوى قطرة في بحر الاحتياجات.
في الوقت الذي تستمر فيه دولة الاحتلال بقصف المستشفيات وعرقلة الإجلاء الطبي، يبقى أطفال غزة عالقين بين الموت تحت الأنقاض أو الموت البطيء خلف الحصار.