معالجات اخبارية

من وراء إدخال الدجاج إلى غزة بأسعاره الفلكية؟ وعلاقة ذلك بتجميل وجه الاحتلال

تكشف قضية إدخال كميات من الدجاج إلى قطاع غزة بأسعار فلكية عن وجه آخر لحرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع، حيث يتحول الغذاء إلى أداة سياسية، وتتحول الشركات المحلية المتعاونة إلى أذرع اقتصادية للاحتلال.

وتجمع الشواهد على أن الهدف من إدخال هذه الشحنات لم يكن التخفيف من المجاعة أو إغاثة السكان المكلومين في قطاع غزة، بل إضعاف أثر إعلان الأمم المتحدة بشأن تفشى المجاعة وتقديم صورة زائفة للعالم.

إذ بينما أعلنت الأمم المتحدة رسميًا تفشي المجاعة في مدينة غزة وشمال القطاع، تزامنت على نحو لافت حملة إسرائيلية عبر “المنسق” (مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة) للترويج بأن الاحتلال يسمح بدخول مواد غذائية، في مقدمتها شحنات من الدجاج، باعتبارها مؤشرًا على “تخفيف القيود”.

غير أن تحقيقات ومصادر أمنية كشفت أن ما جرى لم يكن مجرد صفقة تجارية عادية، بل جزء من خطة مدروسة تهدف إلى إضعاف أثر الإعلان الأممي والتقليل من حدة الانتقادات الدولية.

شركة الخزندار في قلب الصفقة

تؤكد المعلومات أن شركة محمد محسن الخزندار، إلى جانب شقيقيه نور الدين ورأفت، لعبت دورًا مركزيًا في إدخال شحنات الدجاج إلى غزة وبيعها بأسعار قياسية تفوق قدرة غالبية السكان.

وقد جرت العملية بشكل شبه احتكاري، إذ تم ربط التعاملات التجارية الخاصة بالقطاع الغذائي بالشركة بشكل مباشر عبر مكتب تنسيق الارتباط الإسرائيلي.

ووفق التحقيقات، فإن جهاز الشاباك أوعز للمنسق الإسرائيلي بتكليف الخزندار بإدارة هذا الملف بعد نجاحه في تجنيد عدد من العمال المرتبطين بشركته، والذين عملوا في مواقع توزيع تابعة لما عُرف بـ “شركة غزة الإنسانية” (GHF).

وشركة غزة متورطة بشكل خطير في سياسات غذائية مجحفة، حيث أدى سوء إدارتها واحتكارها إلى قتل وإصابة أكثر من 5 آلاف فلسطيني جراء الجوع أو سوء التغذية.

عمالة شركة محمد محسن الخزندار

تزامن إدخال الدجاج مع إعلان الأمم المتحدة أن غزة تواجه مجاعة من صنع الإنسان بالكامل. في تلك اللحظة، بدا الاحتلال بحاجة إلى خطوة دعائية ليدحض الادعاء الأممي.

فجاءت شحنات الدجاج باهظة الثمن كأداة سياسية وإعلامية؛ إذ أُريد لها أن تظهر كدليل على أن دولة الاحتلال لا تمنع دخول المواد الغذائية، بل تسمح حتى بسلع “فاخرة” مقارنة بالعدس والطحين.

لكن على أرض الواقع، لم يستفد من هذه الشحنات سوى شريحة محدودة جدًا من التجار والمقتدرين ماليًا، فيما بقيت الغالبية الساحقة من سكان غزة عاجزين عن شراء الدجاج الذي عُرض في الأسواق بأسعار “فلكية”.

هذا الواقع عزز الانطباع أن الهدف لم يكن معالجة الأزمة الإنسانية، بل التلاعب بالصورة الإعلامية وخلق رواية موازية تخدم الاحتلال أمام المجتمع الدولي.

المجاعة في غزة ويكيبيديا

تشير المعلومات إلى أن سلطات الاحتلال استخدمت الخزندار وشركته كـ “واجهة قذرة” لمساومة المؤسسات الدولية.

فبينما كانت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة تضغط لإدخال مواد أساسية مثل الوقود والسولار والأدوية، كانت دولة الاحتلال تفتح المجال لشركة الخزندار لجلب الدجاج.

بهذا الشكل، حاولت تل أبيب أن توصل رسالة إلى العواصم الغربية مفادها: “نحن لا نمنع إدخال السلع، لكن المشكلة تكمن في قدرة السوق المحلية على استيعابها”. والواقع أن السماح بدخول الدجاج الاحتكاري لم يكن إلا غطاءً لتقييد المواد الأكثر إلحاحًا وحيوية لبقاء المدنيين على قيد الحياة.

ويشار إلى أنه سبق أن  أصدرت عائلة الخزندار في غزة بيانًا أعلنت فيه براءتها من فرع محسن الخزندار وأشقائه، مؤكدة أنهم انخرطوا في التعاون مع الاحتلال وساهموا في تنفيذ مخططاته الإجرامية ضد أبناء الشعب الفلسطيني.

احتكار وتلاعب بالسوق المحلية

من أبرز الانتقادات التي وُجهت إلى الصفقة أن أسعار الدجاج في غزة تضاعفت عدة مرات فور دخوله عبر قنوات الخزندار، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى مستويات غير مسبوقة، جعلته أقرب إلى سلعة للنخبة.

كما اتُهمت الشركة بإدارة شبكة توزيع مقيدة، تمنع وصول الكميات إلى الأسواق الشعبية أو إلى العائلات الأكثر احتياجًا، ما رسخ الانطباع أن العملية ذات أهداف سياسية وليست تجارية أو إنسانية.

ويرى محللون أن ما جرى ليس سوى حلقة ضمن خطة أشمل ينفذها الاحتلال لإدارة التجويع كسلاح حرب ضد غزة. إذ يجري التحكم ليس فقط بكميات المواد الغذائية المسموح بدخولها، بل أيضًا بآليات توزيعها وبالأسعار التي تُعرض بها.

بهذا، يتم إبقاء سكان القطاع بين خيارين أحلاهما مرّ:

إما الجوع والحرمان نتيجة غياب المواد الأساسية، أو شراء سلع بأسعار باهظة لا يستطيع معظمهم تحملها.

وفي كلتا الحالتين، يبقى الاحتلال قادرًا على القول إنه لم يمنع إدخال الغذاء، بينما الواقع أن السياسات الممنهجة تُفرغ أي إجراءات شكلية من مضمونها.

وقد رافق إدخال الدجاج حملة إعلامية نشطة عبر منصات المنسق الإسرائيلي، ركزت على صور لشاحنات وهي تعبر المعابر، ورسائل تروّج بأن دولة الاحتلال تسمح بدخول المواد الغذائية. غير أن هذه الحملة قوبلت بتشكيك واسع داخل غزة وخارجها، حيث تزامنت مع أكبر تقارير دولية عن المجاعة.

ويرى مراقبون أن اختيار سلعة مثل الدجاج بعد أشهر طويلة من حظر مجرد دخوله إلى غزة، لم يكن اعتباطيًا، بل جزءًا من استراتيجية دعائية تهدف إلى التشويش على رواية الأمم المتحدة وإظهار أن الاحتلال “يسهّل” الحياة في القطاع وذلك من أجل تجميل وجه الاحتلال وتخفيف الضغوط الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى