زيارة بن غفير المهينة لمروان البرغوثي.. مرآة لخيانة قيادة فتح لقضية الأسرى

في مشهد صادم حمل كل معاني الإهانة، دخل وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير إلى زنزانة القائد الأسير مروان البرغوثي، أحد أبرز رموز حركة فتح، وصاح في وجهه وهدده بأسلوب متعمد الاستفزاز.
هذا المشهد لم يكن مجرد تصرف فردي من وزير عنصري، بل هو رسالة سياسية إسرائيلية تستهدف كسر الرمزية الوطنية للبرغوثي وإظهار عجز قيادة حركة فتح أمام جمهورها، خصوصًا القاعدة الفتحاوية التي طالما اعتبرت البرغوثي أحد أعمدتها التاريخية.
إهانة علنية للفتحاويين قبل البرغوثي
الطريقة التي دخل بها بن غفير إلى الزنزانة، وصراخه المباشر في وجه البرغوثي، ليست إهانة للقائد الأسير فحسب، بل هي صفعة سياسية ومعنوية لكل أنصار حركة فتح، الذين يرون رموزهم يواجهون الإذلال في السجون دون أي تحرك حقيقي من قيادتهم.
هذه الإهانة جاءت على مرأى ومسمع من الإعلام الإسرائيلي، في محاولة متعمدة لإيصال رسالة مفادها: “نحن نتحكم بمصير قادتكم، وقيادتكم عاجزة”.
الفرص الضائعة لمبادلة الأسرى
ما يفاقم المشهد هو إدراك الفلسطينيين أن قيادة فتح كانت قادرة، في مراحل متعددة، على إبرام صفقات تبادل تُخرج البرغوثي وآلاف الأسرى من السجون، خصوصًا عبر استغلال ملف المستوطنين الذين يدخلون أو “يتوهون” في مناطق الضفة الغربية.
لكن بدلًا من ذلك، اختارت السلطة الفلسطينية إعادة هؤلاء المستوطنين مجانًا للاحتلال، متذرعة باعتبارات “التنسيق الأمني” الذي أثبت أنه يصب في صالح إسرائيل بالكامل.
هذه السياسة ليست مجرد خطأ تكتيكي، بل إهدار مقصود لأوراق القوة التي يمكن أن تشكل ضغطًا حقيقيًا على الاحتلال من أجل تحرير الأسرى.
قيادة عاجزة ومكتفية بالبيانات
رد قيادة فتح على مشهد إذلال البرغوثي اقتصر على بيانات الإدانة والاستنكار، وهي لغة لم تعد تقنع الشارع الفلسطيني الذي يرى أن المعركة من أجل الأسرى تحتاج إلى أفعال ملموسة لا بيانات فارغة.
الاستمرار في نهج التنسيق الأمني، وفي الوقت نفسه الاكتفاء بالشجب، يعكس تناقضًا صارخًا في مواقف السلطة، ويكشف عن أولوية الحفاظ على العلاقة مع الاحتلال على حساب حقوق الأسرى وكرامتهم.
التنسيق الأمني.. خيانة صريحة لتضحيات الأسرى
لا يمكن فصل ما جرى عن البنية السياسية والأمنية التي تحكم سلوك قيادة فتح اليوم. التنسيق الأمني، الذي يعتبره الاحتلال “مقدسًا”، يشكل عمليًا شراكة في إدارة الضفة الغربية وفق المعايير الإسرائيلية.
هذا التنسيق يعني أن أي محاولة لتحريك ملف الأسرى أو الضغط على الاحتلال ستُجهض من داخل أروقة السلطة نفسها، لأن التحالفات الضمنية مع الأجهزة الإسرائيلية تمنع أي تصعيد فعلي يمكن أن يضر بمصالح الاحتلال.
من هذا المنظور، يصبح الإهمال المتعمد لقضية البرغوثي ورفاقه امتدادًا لسياسة منهجية تتعامل مع ملف الأسرى كعبء لا كأولوية وطنية.
المكاسب الشخصية على حساب الثوابت
المؤلم في المشهد هو أن قيادة فتح لم تعد ترى في قضية الأسرى أولوية سياسية أو أخلاقية، بل تتعامل معها كورقة تفاوضية ثانوية يمكن استخدامها حين تحتاج لمكاسب دبلوماسية أو دعائية.
في المقابل، تركز قيادة فتح والسلطة على حصد الامتيازات والمكاسب الشخصية التي يتيحها التعاون مع الاحتلال، سواء عبر الدعم المالي، أو تسهيلات الحركة، أو الحفاظ على مواقع النفوذ.
هذه العقلية البراغماتية الباردة تجعل تضحيات الأسرى وآلامهم خارج حسابات القرار السياسي في رام الله.
الرسالة الإسرائيلية المزدوجة
بحسب مراقبين أرادت دولة الاحتلال الإسرائيلي من خلال هذا المشهد لهديد البرغوثي داخل زنزانته إيصال رسالتين:
لقاعدة حركة فتح: قيادتكم ضعيفة، حتى رموزكم التاريخية يمكن إذلالهم علنًا دون أن يتحرك أحد.
للشارع الإسرائيلي: نحن نحكم قبضتنا على كل شيء، من الميدان إلى السجون، ولن نسمح بقيام أي رمزية نضالية جديدة.
هذه الرسائل تجد صدى مؤلمًا في الشارع الفلسطيني، الذي يرى أن الاحتلال لا يكتفي بالقمع العسكري، بل يسعى أيضًا إلى تحطيم الرموز المعنوية التي تمثل الأمل والصمود.
سقوط الخطاب الفتحاوي الرسمي
لطالما تباهت حركة فتح بأنها “حركة الأسرى” و“المدافع الأول عنهم”، لكن الواقع الحالي يفضح هذا الخطاب. مشهد البرغوثي في مواجهة بن غفير كشف الهوة بين الشعار والممارسة، وأظهر أن القيادة الفتحاوية لم تعد قادرة أو راغبة في حماية حتى أبرز رموزها.
هذا السقوط المعنوي يعمق أزمة الشرعية التي تواجهها الحركة، ويفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول دورها الفعلي في المشروع الوطني الفلسطيني.
وعليه فإن ما جرى مع مروان البرغوثي ليس حادثًا عابرًا، بل هو اختبار كاشف لوضع القيادة الفتحاوية اليوم. العجز عن الرد الفعلي، والتفريط في فرص مبادلة الأسرى، والاستمرار في التنسيق الأمني، كلها عوامل تؤكد أن هذه القيادة انفصلت عن نبض الشارع الفلسطيني، واختارت طريق التعايش مع الاحتلال بدلًا من مواجهته.
الإهانة التي تعرض لها البرغوثي هي إهانة لكل أسير فلسطيني، بل لكل فلسطيني يرفض أن يرى قادته يذلون أمام عدوه دون أن يُحرّك ساكنًا.
وإذا استمرت قيادة فتح على هذا النهج، فإنها لن تخسر فقط احترام جماهيرها، بل ستخسر ما تبقى من شرعيتها التاريخية، لتصبح مجرد أداة في يد الاحتلال، بينما تبقى قضية الأسرى رهينة الإهمال والنسيان.