تحقيق دولي: بيانات إسرائيلية سرية تُظهر أن 83% من ضحايا حرب غزة مدنيون

كشف تحقيق مشترك أجرته صحيفة الغارديان البريطانية مع مجلة +972 وموقع Local Call العبري، عن أرقام صادمة مستندة إلى قاعدة بيانات سرية للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، تؤكد أن خمسة من بين كل ستة فلسطينيين استشهدوا في غزة حتى مايو/أيار الماضي كانوا مدنيين، أي أن نسبة الضحايا المدنيين بلغت 83% من إجمالي الضحايا.
وهذا المعدل من الضحايا المدنيين بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من 22 شهرا، بحسب خبراء الصراعات، يُعد استثنائيًا وبالغ التطرف مقارنة بأي حرب حديثة خلال العقود الماضية، ويضع دولة الاحتلال في مصاف الأنظمة التي ارتكبت مجازر جماعية في التاريخ المعاصر.
وتشير البيانات إلى أنه بحلول مايو/أيار 2025، وبعد 19 شهرًا من بدء الحرب:
إجمالي عدد الشهداء الفلسطينيين بلغ 53,000 شخصًا وفق وزارة الصحة في غزة.
من بين هؤلاء، 8,900 شخصًا فقط وُصِفوا بأنهم مقاومون في السجلات الإسرائيلية.
هذا يعني أن نسبة المدنيين بين الضحايا بلغت 83%، فيما لا تتجاوز نسبة المقاومين 17%.
وتعتمد الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على هذه القاعدة باعتبارها “الإحصاء الوحيد المعتمد” لخسائر المقاومين، وفق مصادر مطلعة نقلت عنها صحيفة الغارديان.
حرب الإبادة في غزة ويكيبيديا
قالت تيريز بيترسون، الباحثة في برنامج أوبسالا لبيانات الصراعات: إن “نسبة المدنيين بين الضحايا مرتفعة بشكل غير معتاد، خاصة مع استمرارها لفترة طويلة. قد تجد معدلات مشابهة في معركة أو مدينة بعينها، لكن نادرًا ما تكون النسبة الإجمالية بهذا الارتفاع.”
ووفق دراسات دولية، لم تُسجّل نسب أعلى من ذلك سوى في ثلاث حالات: مجزرة سربرنيتسا عام 1995، الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، حصار ماريوبول الروسي عام 2022.
وتُظهر قاعدة بيانات وزارة الصحة في غزة أن عدد الشهداء حتى 14 مايو/أيار 2025 بلغ 52,928 شخصًا. ويُرجَّح أن تكون الأعداد الحقيقية أكبر بكثير بسبب آلاف الجثث العالقة تحت الأنقاض.
كما تشير التقديرات إلى أن الجيش الإسرائيلي ما زال يعتبر نحو 40 ألف شخص من سكان غزة “مقاومين على قيد الحياة”، رغم أن معظمهم من المدنيين غير المنخرطين في الأعمال القتالية.
وبينما تزعم القيادة الإسرائيلية أن عدد الشهداء من المقاومين قد يصل إلى 20,000، تكشف التحقيقات أن هذه الأرقام تشمل فئات مدنية لا علاقة لها بالعمليات العسكرية، مثل:
الموظفين الحكوميين، عناصر الشرطة المدنية، وحتى فلسطينيين لا صلة لهم بالعمل المسلح.
كما كشف مصدر استخباراتي رافق القوات الإسرائيلية أن “الأشخاص يُرقّون إلى رتبة مقاتل بعد وفاتهم”، مشيرًا إلى أن التوصيف يتم بشكل اعتباطي يضاعف من تقدير عدد “المقاتلين”.
وانتقد إسحاق بريك، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، ما وصفه بـ”الخدعة الكبيرة”، قائلًا: “لا علاقة بين الأرقام المعلنة وما يحدث فعلًا. إنها مبالغة صارخة. الضباط الذين عملت معهم يؤكدون أن معظم الضحايا مدنيون”.
شهادات جنود آخرين عززت هذا الطرح، إذ أقروا بأنهم أطلقوا النار على أي شخص يتحرك في مناطق معينة، بما في ذلك الأطفال والنساء، ما يؤكد سياسة القتل الواسع دون تمييز.
استهداف الغذاء والمعونات
بعد مايو/أيار، ارتفعت معدلات الضحايا المدنيين بشكل أكبر، مع استهداف الطوابير أمام مراكز توزيع الغذاء، حيث استشهد مئات الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات.
وأُجبر الناجون على البقاء في 20% فقط من مساحة القطاع، بينما أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أوامر بإخلاء الشمال استعدادًا لعملية برية جديدة.
ويجمع عدد من المحامين وخبراء الإبادة الجماعية على وصف الوضع في قطاع غزة بأنه جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، مشيرين إلى:
القتل المنهجي للمدنيين، سياسة التجويع المتعمد، تدمير البنية التحتية المدنية.
وقالت ماري كالدور، الباحثة في كلية لندن للاقتصاد: “هذه ليست حربًا تقليدية. ما يحدث في غزة أقرب إلى حملة اغتيالات جماعية تستهدف المدنيين. قواعد الاشتباك صُممت لتبرير قتل أعداد هائلة من الأبرياء.”
ويحظر القانون الإنساني الدولي استهداف المدنيين أو استخدام التجويع كسلاح حرب. إلا أن التحقيقات أثبتت أن الجيش الإسرائيلي وضع استراتيجيات تسمح بالقتل العشوائي وتدمير مصادر الحياة، ما يشكل خرقًا مباشرًا للقانون الدولي وجرائم ضد الإنسانية.