النظام الأردني يوجه طعنة جديدة في خاصرة التضامن الشعبي مع غزة
في ذروة حرب الإبادة الإسرائيلية

وجه النظام الأردني طعنة في خاصرة التضامن الشعبي مع غزة في ذروة حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية وذلك عبر اعتقاله نائباً وناشطين على خلفية جمع تبرعات للقطاع المحاصر وسكانه المجوعين.
ففي خطوة أثارت غضباً واسعاً قرر مدعي عام عمّان، توقيف النائب الأردني وسام ربيحات و6 أشخاص آخرين لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيق، بعد توجيه أربع تهم لهم، أبرزها جناية “غسل الأموال”، إلى جانب مخالفات لقانوني التنمية الاجتماعية والجرائم الإلكترونية.
واعتبر مراقبون ونشطاء حقوقيون أن القرار الأردني الذي جاء في وقت تتعرض فيه غزة للعام الثاني بحرب إبادة شاملة وحصار خانق، دليلاً إضافياً على تساوق النظام الأردني مع الضغوط الإسرائيلية، ومحاولة لقطع شريان الدعم الشعبي المتدفق من الأردن إلى المحاصرين في القطاع.
وأكد هؤلاء أن هذا الاعتقال خطوة سياسية تعكس انحياز النظام الأردني لسياسات الحصار وتجريم التضامن الشعبي وذلك في الوقت الذي يُقتل فيه عشرات الآلاف من الفلسطينيين تحت القصف والتجويع، فيما يُعتقل في عمان من يمد لهم يد العون.
التضامن الأردني مع غزة
شملت التحقيقات 17 شخصاً وُجهت لهم التهم بدرجات متفاوتة، استناداً إلى تقارير فنية وتحقيقات ميدانية.
وبحسب الادعاء، يواجه ربيحات و6 آخرون تهمة غسل الأموال استناداً إلى المادتين (3 و30) من قانون مكافحة غسل الأموال، كما أُسندت إليه و7 آخرين تهمة إنشاء منصة غير مرخصة لتلقي الأموال بموجب المادة (22) من قانون الجرائم الإلكترونية.
كما وُجهت إلى النائب و14 آخرين تهمة إدارة محفظة إلكترونية لجمع التبرعات دون ترخيص، بالإضافة إلى تهمة الإعلان عن التبرعات دون موافقة رسمية وفق المادة (4) من قانون التنمية الاجتماعية.
ويرى مراقبون أن هذه الاتهامات تضخيم سياسي مقصود يهدف إلى شيطنة أي مبادرة تضامن مع غزة، وتحويلها إلى قضية “أمنية” أو “مالية”، رغم أنها تمت في وضح النهار وبمشاركة مجتمعية واسعة.
انتهاك للإرادة الشعبية
قضية حي الطفايلة في شرق عمان – التي أطلق سكانه حملات تبرع لدعم غزة – كانت الشرارة التي فجرت هذه المواجهة بين الدولة والمجتمع.
واعتُبرت الحملة، التي وثّق منظموها سندات قبض وتصاريح رسمية من وزارة التنمية الاجتماعية والهيئة الخيرية الهاشمية ً “غير مرخصة”، وهو ما وصفه النائب ربيحات بأنه تزييف للواقع وتجاوز خطير على مبدأ فصل السلطات.
ورأى ناشطون أن توقيف نائب برلماني منتخب، فقط لأنه تبنّى حملة تضامن مع غزة، يمثل إسكاتاً للإرادة الشعبية الأردنية، التي وقفت تاريخياً إلى جانب فلسطين، ويكشف أن التضييق على العمل الخيري لم يعد مرتبطاً بالرقابة المالية بل بالقرار السياسي المتماهي مع إملاءات الاحتلال.
تكميم صوت التضامن مع غزة في الأردن
منذ اندلاع حرب الإبادة على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، شكّلت التبرعات الشعبية في الأردن متنفساً طبيعياً للتعبير عن رفض المجازر والدعم المباشر للأهالي في القطاع.
لكن السلطات الأردنية، بحسب نشطاء، تعمل على خنق هذه المبادرات خشية من أن تتحول إلى موجة ضغط سياسي حقيقية في الداخل الأردني، في وقت يتزايد فيه الغضب الشعبي من الموقف الرسمي المتردد إزاء إسرائيل.
ويقول مراقبون إن اعتقال ربيحات ورفاقه ليس سوى رسالة تخويف لبقية المبادرات المجتمعية، وتأكيد أن التضامن مع غزة يجب أن يمر عبر قنوات رسمية ضيقة يسيطر عليها النظام.
والمفارقة أن سكان حي الطفايلة – الذين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة – تداعوا من قوت يومهم لتجميع مساعدات غذائية ومخيمات إيواء وحليب أطفال لصالح أهالي غزة.
وقد لاقت الحملة التي وثقت بالصور والفيديو لحظة وصول بعض المساعدات إلى القطاع ترحيباً واسعاً بين الغزيين، الذين وجدوا في الأردنيين سنداً إنسانياً وأخلاقياً.
لكن بدلاً من تكريم هذه الجهود، أقدمت السلطات على اعتقال من يقودها، وتحويل العمل الخيري إلى ملف قضائي تحت عناوين “غسل الأموال” و”جرائم إلكترونية”. وهو ما وصفه حقوقيون بأنه تجريم للتعاطف مع الضحايا، وتساوق مفضوح مع الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة.
وقد أثارت القضية جدلاً واسعاً داخل الشارع الأردني، وسط إجماع على اتهام النظام بتعمد التضييق السياسي على حملات التضامن مع فلسطين وشعبها.
وأكد محامو الدفاع أن التهم المسندة “لا علاقة لها بملف التبرعات”، وأن الملف برمته بحاجة إلى تقييم قانوني بعيداً عن المبالغات. فيما وصف ناشطون الحملة الإعلامية التي رافقت التوقيف بأنها تشويه ممنهج لسمعة العمل الخيري، تمهيداً لتجريمه.
ويشار إلى أن القرار القضائي الأردني لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي، إذ يتزامن مع ضغوط إسرائيلية وأميركية لوقف أي قنوات دعم غير رسمية لغزة، خاصة بعد فشل الاحتلال في تركيع القطاع رغم الحرب المستمرة منذ نحو عامين.
ويرى محللون أن الأردن اختار الانحياز إلى منطق الحصار، عبر تجفيف منابع التضامن الشعبي، بما يتماشى مع المسار السياسي الذي يسعى إلى إعادة صياغة غزة ما بعد الحرب وفق الرؤية الأميركية–الإسرائيلية.