تحليلات واراء

كواليس فتح قنوات اتصال بين إسرائيل ونظام أحمد الشرع في سوريا

على حساب القضية الفلسطينية

في تحول مفاجئ وغير مسبوق في العلاقات الإقليمية، أعلن مسؤولان إسرائيليان أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغ المبعوث الأميركي توم باراك عن اهتمامه بالتفاوض مع الحكومة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، في ظل وساطة أميركية.

وبحسب موقع أكسيوس الأمريكي القريب من الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية، تأتي هذه الخطوة كأول محاولة رسمية للتواصل العلني بين دولة الاحتلال وسوريا منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، في مؤشر قوي على تغيرات جذرية في موازين القوى والتوجهات السياسية بالمنطقة.

من الحصار إلى بوابة الحوار

عندما أطاح النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع بالنظام السابق بقيادة بشار الأسد، شهدت المنطقة تصاعدًا غير مسبوق في وتيرة الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت بشكل ممنهج البنية العسكرية السورية، بما في ذلك القوات الجوية والبحرية وأنظمة الدفاع الجوي والصواريخ.

وعمدت دولة الاحتلال إلى توسيع حدود سيطرتها على المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية المحتلة، محققةً بذلك أكبر قدر ممكن من النفوذ الأمني والجغرافي.

في ظل هذه الخلفية العدائية، كانت حكومة نتنياهو تتابع بحذر شديد تطورات سوريا الجديدة المدعومة من تركيا، مع تخوفات واضحة من توجهات النظام السوري الجديد وهو ما دفعها للضغط على إدارة واشنطن لاتخاذ موقف حذر تجاه النظام الجديد.

لكن الصدمة الإسرائيلية الكبرى كانت عندما التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أحمد الشرع في السعودية ورفع العقوبات الأميركية عن سوريا، في خطوة شكلت تحولًا كبيرًا في سياسة الولايات المتحدة تجاه دمشق.

إعادة ترتيب الأوراق الإقليمية

بالرغم من المخاوف الأمنية التي يطرحها الشرع، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين يرون أن الفرصة قد حان وقتها لتحقيق انفراجة سياسية طال انتظارها، لا سيما في ظل انسحاب إيران وحزب الله من سوريا تدريجيًا، وهو ما يمثل تغييرًا جذريًا في خريطة النفوذ الإقليمي.

ومع التحول الكبير في السياسة الأميركية، بدأت دولة الاحتلال تتجه تدريجيًا إلى فتح قنوات اتصال غير مباشرة في البداية، ثم مباشرة، عبر اجتماعات سرية في بلدان ثالثة.

وأكد مسؤول إسرائيلي رفيع لموقع “أكسيوس” أن الشرع يبدو أكثر انفتاحًا وتعاونًا مما كان متوقعًا، وهو لا ينفذ أوامر تركيا بشكل كامل، بل يسعى لبناء علاقات مستقلة أكثر توازنًا، مما يدفع (إسرائيل) إلى الاعتقاد أن وجود حكومة سورية مقرّبة من الولايات المتحدة والسعودية يصب في مصلحتها الأمنية والسياسية.

الوساطة الأميركية بين دمشق وتل أبيب

مبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا، توم باراك، لعب دور الوسيط الأساسي في هذه التحركات، حيث زار دولة الاحتلال ولقاء بنيامين نتنياهو وعددًا من كبار المسؤولين.

كما قام باراك بزيارة دمشق والتقى أحمد الشرع، معيدًا فتح مقر إقامة السفير الأميركي في العاصمة السورية. وصف باراك النزاع بين البلدين بأنه “مشكلة قابلة للحل” ودعا إلى البدء باتفاقية عدم اعتداء كأساس للحوار.

في هذه المرحلة، باتت واشنطن تدعم فكرة التفاوض المباشر بين إسرائيل وسوريا على أن تشمل الاتفاقات الأمنية وإعادة تعريف خطوط الفصل بين البلدين، ورفع العقوبات، وصولاً إلى توقيع اتفاق سلام شامل.

من جهتها، أعربت دولة الاحتلال عن رغبتها في تعديل اتفاقية فك الارتباط بين القوات التي وقعت عام 1974، مع إجراء بعض التعديلات بما يتوافق مع الواقع الأمني الجديد.

عناصر الاتفاق والاشتراطات الإسرائيلية

وضعت دولة الاحتلال شروطاً صارمة لأي اتفاقية مستقبلية، تتضمن منع إقامة قواعد عسكرية تركية على الأراضي السورية، ونزع السلاح عن حزب الله وإيران، وإخلاء الجنوب السوري من التسلح.

كما أعلنت تل أبيب عن نيتها الاحتفاظ بقواتها في المناطق الحدودية حتى يتم التوصل إلى اتفاق جديد، مع إضافة قوات أميركية إلى قوة الأمم المتحدة التي كانت تراقب الحدود سابقًا.

ورغم هذه الشروط الأمنية الصارمة، لم يتم حتى الآن التطرق بوضوح إلى قضية مرتفعات الجولان المحتلة منذ حرب 1967، والتي كانت دائمًا حجر الزاوية في مفاوضات السلام السابقة.

وبالرغم من اعتراف إدارة ترامب بالسيادة الإسرائيلية المزعومة على الجولان، لا تزال هذه القضية تمثل عائقًا كبيرًا في أي مفاوضات مستقبلية، ويعتقد الإسرائيليون أن الحكومة السورية الجديدة قد تظهر بعض المرونة حيال هذا الملف، على عكس النظام السابق.

توجهات أحمد الشرع: تطبيع متقدم

الأكثر إثارة للقلق في هذه التطورات هو التوجه الواضح لأحمد الشرع نحو إقامة علاقات رسمية مع دولة الاحتلال، وهو ما قد يمهد الطريق نحو تطبيع كامل، في خطوة قد تأتي على حساب القضية الفلسطينية التي لطالما كانت مركز الصراع في المنطقة.

الشرع، الذي استلم السلطة بمساندة تركية، يبدد الخلافات التقليدية التي كانت تُهيمن على سوريا، ويركز على تحقيق استقرار داخلي واقليمي عبر علاقات خارجية جديدة.

وهذا يعني إبعاد سوريا عن محور المقاومة الذي تقوده إيران وحزب الله، وهو ما يعد خيانة في نظر العديد من الفصائل الفلسطينية التي تعتمد على دعم دمشق في صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي.

في السياق ذاته، فتح قنوات التواصل المباشر بين دولة الاحتلال وسوريا يشكل ضربة جديدة للحقوق الفلسطينية، حيث يتم تجاوز ملف القدس واللاجئين والاحتلال في مناطق أخرى، لصالح ترتيبات أمنية وسياسية جديدة تتجاهل أولوية القضية الفلسطينية.

ولعل هذا التحول يأتي في إطار “صفقة القرن” الهادفة إلى إعادة رسم خرائط المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية تدريجيًا عبر فرض واقع إقليمي جديد.

انعكاسات إقليمية ودولية

من المتوقع أن تؤدي هذه التطورات إلى إحداث زلزال سياسي في المنطقة، فالسعودية والإمارات ودول الخليج قد ترى في تقارب دمشق مع دولة الاحتلال فرصة لتعزيز تحالفاتها مع واشنطن وتل أبيب، خصوصًا مع استمرار حالة العداء بين تركيا وإيران.

أما الفلسطينيون، فإنهم سيجدون أنفسهم أمام تحدٍ كبير، حيث يفقدون أحد أهم الحلفاء التقليديين في دمشق، وتصبح القضية الفلسطينية أكثر عزلة على الساحة الإقليمية، لا سيما في ظل غياب دعم فاعل من الدول العربية التي تبدو متجهة نحو التطبيع وفتح قنوات مع الاحتلال.

ويؤكد مراقبون أن فتح دولة الاحتلال قنوات اتصال مباشرة مع نظام أحمد الشرع في سوريا يمثل انقلابًا في المعادلة السياسية الإقليمية، ويشير إلى تحول دبلوماسي عميق في السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا. هذا التحول ليس مجرد محاولة لتثبيت الأمن على الحدود، بل قد يكون بداية لتحالفات جديدة ومشبوهة تستهدف في جوهرها تهميش القضية الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى