تحليلات واراء

ذكاء المقاومة الفلسطينية وقدرتها على المناورة أمام نهج ترامب النرجسي

تكشف تجربة المقاومة الفلسطينية لا سيما حركة “حماس” في التعامل مع نهج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن دينامية فريدة من نوعها في إدارة الصراع مع القوى الكبرى، وهو ما يبرز بوضوح في تحليل الكاتب الأردني حلمي الأسمر حول العلاقة بين الحركة والرئيس الأمريكي.

فوفق الأسمر، ليست العلاقة مجرد تراشق سياسي أو اختلاف في المواقف، بل “يمكن اعتبارها من أغرب التفاعلات النفسية والسياسية في الشرق الأوسط المعاصر”، حيث تمزج بين التهديد، الإعجاب، والقدرة على المناورة الذكية.

فمنذ تولي ترامب الرئاسة، كان يمارس ضغوطاً غير مسبوقة على حركة حماس، متحدثًا عن إبادة الحركة وفتح “أبواب الجحيم” على غزة، في وقت نفسه يظهر إعجابًا ضمنيًا بذكاء قادتها وقدرتهم على المناورة، وهو ما وصفه الأسمر بأنه يعكس انعكاسًا لشخصيته النرجسية: “إنه ببساطة يحبّ من يشبهه في الجرأة، ويتمنى لو كان في موقعهم حين يتحدّون قوى أكبر منهم، لكن هذه الإعجابات العابرة لا تلغي الجانب الآخر في شخصيته: الرغبة المرضية في السيطرة والإذلال”.

وفي مواجهة هذا المزيج المعقد من التهديد والإعجاب، أظهرت حماس قدرة استثنائية على إدارة الموقف.

يشير الأسمر إلى أن الحركة حافظت على رباطة جأش نادرة، ولم تنجرف وراء التهديدات ولا الانفعالات: “أظهرت حماس براعة نادرة في التعامل مع ترامب، لا من منطلق الضعف أو التملّق، بل من فهم عميق لنمط شخصيته”.

ومن خلال هذا الفهم، استطاعت الحركة استخدام لغة القوة والهدوء النفسي لإظهار موقفها السياسي دون الاستجابة للضغط المباشر أو الخضوع للشروط الأمريكية الصارمة.

وتكشف تجربة حماس مع ترامب كذلك عن إدراك الحركة للبعد النفسي للشخصيات النرجسية في السلطة.

ويوضح الأسمر، أن ترامب لا يرى السياسة على أنها مسألة مبدأ أو استراتيجية بحتة، بل “مباراة على المسرح العالمي” حيث يجب أن يكون هو الفائز دائمًا. وهكذا، أصبح التعامل مع ترامب اختبارًا لقدرة الحركة على قراءة الغرور الشخصي وتحويله إلى ميزة تكتيكية.

حركة حماس ويكيبيديا

من أبرز الأمثلة على هذه القدرة، رفض حماس بخفة ومرونة إعلان موافقتها أو رفضها لمبادرة ترامب للسلام، مع إبقاء الخطاب مركزًا على جوهر المشروع الإسرائيلي وليس على الشخصية الأمريكية، مما أربك الرئيس الأمريكي وأدى إلى استعراض إعجابه بالحركة دون أن يتحقق هدفه في ترويضها.

ويعلق الأسمر بأن حماس “تعاملت مع ترامب كما يتعامل لاعب شطرنج مع خصم نرجسي: تحترم غروره بما يكفي لتجنّب استفزازه، كي لا يقلب الطاولة، لكنها لا تمنحه الفرصة ليفرض قواعده النفسية على اللعبة”.

ويشير الأسمر إلى أن هذه المرونة والقدرة على قراءة المواقف النفسية للخصم جعلت ترامب نفسه يعترف بشكل غير مباشر بقدرات الحركة: “حتى أكثر الزعماء غروراً في الغرب باتوا يروْن فيها نموذجاً لقدرة الفكرة على تحدّي الإمبراطورية، أما حماس، فقد أثبتت أن المعركة مع أميركا ليست بالضرورة صفرية، وأن فهم الشخصية الأميركية جزء من إدارة الصراع”.

وبهذا، يمكن القول إن تجربة حماس مع ترامب ليست مجرد مواجهة سياسية، بل درس استراتيجي في إدارة الصراع مع قوة عظمى، حيث حولت الحركة التهديدات إلى مادة سياسية وإعلامية، والإهانات إلى إشارات على خوف الخصم من قوتها.

ويخلص الأسمر إلى أن الحركة استطاعت أن تحافظ على مصالحها الأساسية دون أن تنكسر أو تُجبر على التنازل عن ثوابتها، مستفيدة من المرونة والوعي النفسي: “لقد خرجت حماس من تجربتها مع ترامب أكثر وعياً بالنفس الأميركية، وأكثر قدرة على المناورة في حقلٍ تحكمه الشخصيات المضطربة والمصالح المتقلبة”.

وفي المحصلة، يظهر التحليل أن قدرة حماس على المناورة أمام نهج ترامب القائم على الضغط والتهديد ليست مجرد تكتيك لحظي، بل استراتيجية متكاملة تعتمد على الفهم العميق للشخصيات النرجسية، التحليل النفسي للخصم، والتمسك بالثوابت الوطنية والسياسية، مع استغلال أي ضعف في خطاب الطرف المقابل.

وقد جعلت هذه القدرة حركة حماس صعبة الكسر، ورفعّت قدرتها على الاستمرار في مواجهة الضغوط الدولية والسياسات الأميركية الصارمة، مثبتة أنها قوة لا يمكن تجاهلها في أي تسوية مستقبلية للملف الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى