هكذا تُذل سفارة السلطة الفلسطينيين في مصر

لم يعد الفلسطيني الذي يغادر قطاع غزة إلى مصر بحثًا عن العلاج أو النجاة يرى في سفارة بلاده هناك ملاذًا أو سندًا، فقد تحوّلت سفارة السلطة الفلسطينية في القاهرة إلى عنوانٍ دائم للخذلان، تمارس الإهمال والتجاهل بحق أبناء شعبها، في مشهدٍ يختصر انهيار الدور الوطني والإنساني للمؤسسة التي يفترض أن تمثلهم وتدافع عنهم.
سفارة السلطة تذل الفلسطينيين في مصر “شاهد هنا“.
سفارة السلطة تذل الفلسطينيين
ومن داخل المستشفيات والمساكن الفقيرة في القاهرة والجيزة والإسكندرية، تتكشف فصول معاناة مأساوية يعيشها مرضى وجرحى غزة الذين وصلوا إلى مصر بأجسادٍ منهكة وآمالٍ كبيرة، هؤلاء الذين ظنّوا أنهم خرجوا من تحت القصف إلى مساحة من الأمان، وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع نوعٍ آخر من الألم وهو ألم الإهمال والبيروقراطية والخذلان الرسمي.
فالسفارة التي كان يُفترض أن تفتح أبوابها للمرضى والجرحى، أغلقتها في وجوههم، واكتفت بتمثيلٍ صوريّ لا يتجاوز الشكليات والبروتوكولات.
نحو سبعمئة مريض من قطاع غزة يكابدون أوضاعًا قاسية، بعضهم تُرك دون علاج بعد انقطاع الدواء أو توقف البروتوكول الطبي، وبعضهم الآخر يتلقى جرعات محدودة لا تسمن ولا تغني من ألم، بينما يعيش آخرون في مساكن مكتظة لا تليق بالبشر خمس عائلات في شقة واحدة، بلا تهوية، بلا رعاية، وبلا أدنى إحساس بالكرامة.
وفي ظل هذا الواقع المهين، لا جهة رسمية تتابع، ولا لجنة طبية تشرف، ولا مسؤول يزور أو يسأل، أما السفارة، التي يُفترض أن تكون صوتهم وظهرهم، فتقف متفرجة، وكأن ما يجري خارج حدود مسؤوليتها أو اهتمامها.
ولم تتوقف المأساة عند المرضى، بل امتدت إلى الجرحى الذين جرى نقلهم من المستشفيات بحجة انتهاء فترة العلاج. كثير منهم طُردوا من غرفهم دون بديل، وقيل لهم ببساطة إن السفارة لا تملك “غطاءً ماليًا” لعلاجهم. بعضهم وجد نفسه في الشارع، وكأنهم عبءٌ ثقيل يجب التخلص منه بأي طريقة.
وليس الطلاب الفلسطينيون بأفضل حالٍ من المرضى والجرحى، فقد وجد بعضهم أنفسهم يؤدون امتحانات الثانوية العامة في كراج سيارات تابع للسفارة، في مشهدٍ صادم يكشف حجم الاستخفاف بقيمة الإنسان الفلسطيني وكرامته، حتى في أهم محطات مستقبله الدراسي.
سفارة السلطة في القاهرة
إن ما يجري في سفارة السلطة بالقاهرة لم يعد مجرد تقصير إداري أو خلل في الأداء، بل سلوكٌ ممنهج يعكس عقلية السلطة في التعامل مع أبناء غزة؛ عقلية ترى فيهم مواطنين من درجةٍ أدنى، وتتعامل معهم بروحٍ من الانتقام البارد أكثر مما هي روح مسؤولية وطنية.
فبينما يواجه سكان القطاع آلة الحرب الإسرائيلية بكل ما تحمله من دمار، يعيش المرضى في مصر حربًا أخرى لا تقل قسوة وكل ذلك يجري تحت رعايةٍ رسمية صامتة، لا تحركها المناشدات، ولا تهزها عشرات القصص التي تخرج من المستشفيات ومساكن الإيواء، لتشهد على واقعٍ لا يشبه إلا زمن الانحطاط السياسي والإنساني.
ولا تقف مسؤولية السفارة عند حدود استخراج الأوراق أو ختم الجوازات، بل تمتد إلى تمثيل الفلسطينيين وصون كرامتهم في الخارج، لكن ما يحدث اليوم هو العكس تمامًا؛ فقد تحولت السفارة إلى جدارٍ بارد بين المواطن ومؤسسات بلاده، وإلى نموذجٍ مصغّر لسلطةٍ فقدت صلتها بالناس، وانشغلت بالمناصب أكثر مما انشغلت بالواجب.
وإن المأساة في مصر ليست استثناءً، بل مرآة لما آلت إليه مؤسسات السلطة في كل مكان غياب الضمير، تهميش المواطن، وتقديم الولاء السياسي على الواجب الوطني.





