تحليلات واراء

إدانة عباس للمقاومة خدمة للاحتلال وتنازل عن الحقوق

تتصدر تصريحات رئيس السلطة محمود عباس، حول إدانته للمقاومة الفلسطينية، وتحديدًا هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، عناوين الجدل السياسي والاجتماعي وسط إجماع على أنها خدمة للاحتلال وتنازل عن الحقوق.

فالتكرار المستمر لمواقف مشابهة، كما حدث في المؤتمر الصحفي لعباس مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يثير أسئلة جوهرية حول مدى تمثيله للشعب الفلسطيني، ومدى مصداقية هذه التصريحات في سياق الكفاح الوطني المستمر ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وأول ما يلفت النظر هو التوافق شبه التام بين خطاب عباس والخطاب الرسمي الإسرائيلي والغربي، إذ وصف الهجوم بأنه “قتل وخطف للمدنيين”، وهو التعبير نفسه الذي يستخدمه نتنياهو والرؤساء الغربيون لتبرير حملة الإبادة على غزة وتدمير بنيتها التحتية.

وبهذا لا يكتفي عباس بنقد المقاومة فحسب، بل يعيد إنتاج سردية الاحتلال، مما يعكس انحيازًا مفضوحًا للاحتلال الإسرائيلي على حساب حقوق الفلسطينيين.

غضب الشارع الفلسطيني

أظهرت تعليقات آلاف المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي رفضًا تامًا لإدانة المقاومة، معتبرين أن مثل هذه التصريحات تتناقض مع مشاعر الشعب الفلسطيني وتجربته اليومية تحت الاحتلال والحصار والإبادة المستمرة منذ عقود.

وتؤكد الاستطلاعات الأخيرة، مثل تقرير «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية» واستطلاع «العالم العربي للبحوث والتنمية»، أن غالبية الفلسطينيين في الضفة وغزة يصفون هجوم 7 أكتوبر بأنه قرار صحيح، وأن حماس جزء أساسي من المشهد السياسي والمقاوم للشعب الفلسطيني.

وتشير هذه الأرقام إلى فجوة عميقة بين موقف قيادة السلطة وموقف الرأي العام الفلسطيني على الأرض.

فضلا عن ذلك فإن تصريحات عباس حول «رفض معاداة السامية» واستعداده لإقامة دولة «غير مسلحة» تعكس أيضًا استمرار منطق أوسلو، القائم على التسوية والتنازل مقابل وعود سلام وهمية لم تتحقق طوال 37 عامًا.

كما أن إدراج عبارة «غير مسلحة» في الخطاب الرسمي الفلسطيني يُعد تنازلاً مرفوضًا عن حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم وحقهم في مقاومة الاحتلال بالقوة المشروعة، وهو حق كفله القانون الدولي.

أما التركيز على رفض العنف الموجه ضد المدنيين دون الإشارة إلى مسؤولية الاحتلال عن استشهاد آلاف المدنيين الفلسطينيين فهو إدانة أحادية ومجتزأة تُسقط العدالة من التحليل السياسي.

خدمة المشروع الإسرائيلي الغربي

من الناحية الاستراتيجية، فإن خطاب عباس يخدم بشكل مباشر المشروع الإسرائيلي الغربي لإعادة ترتيب غزة بعد الحرب، وتحويلها إلى كيان منزوعة الإرادة والسلاح، خاضع للرقابة والسيطرة الخارجية تحت غطاء «السلام وإعادة الإعمار».

إذ أن تصريحات مشابهة، مثل ما ذكر في صحيفة «لوفيغارو»، التي أكدت استبعاد دور حماس في إدارة غزة، تعزز هذا الانطباع. وهكذا يصبح خطاب السلطة أداة لتقويض المقاومة الفلسطينية، وشرعنة رواية الاحتلال، وتثبيت سيطرته على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

بموازاة ذلك فإن التأثير الداخلي لهذا الخطاب ليس أقل خطورة. فهو يضعف الموقف الوطني، ويؤكد الانقسام الداخلي بين الفصائل الفلسطينية، ويخلق فجوة بين القيادة والشعب.

كما يعكس افتقار عباس لأي استراتيجية حقيقية لحماية الحقوق الفلسطينية، والاكتفاء بخطاب استرضائي لا يقدم أي حماية للشعب أو أي ضغط على الاحتلال. في هذا السياق، يبدو الخطاب أقرب إلى خطاب موظف في منظومة الاحتلال أكثر من كونه خطاب زعيم وطني يمثل تطلعات شعبه ومقاومته.

ومن منظور حقوقي وقانوني، فإن تجاهل المسؤولية الإسرائيلية عن جرائمها في غزة والضفة، ومقارنة ذلك بعمليات المقاومة الفلسطينية، يعكس ازدواجية صارخة في المعايير.

فالحديث عن «قتل المدنيين» دون الاعتراف بما تسببه الحروب والحصار الإسرائيلي من دمار وقتل جماعي للفلسطينيين يحرف الرأي العام الدولي ويخلق انطباعًا مضللًا عن طبيعة الصراع.

وبالمجمل فإن تصريحات عباس تمثل استسلامًا متكررًا لمشروع الاحتلال، وتكرارًا للخطأ الاستراتيجي الذي بدأ مع أوسلو: التخلي عن الكفاح المسلح، ونزع أدوات الدفاع الفلسطينية، واستبدال الحق المشروع في المقاومة بالخطاب الاسترضائي.

وبحسب مراقبين فإن مثل هذا التوجه لا يضعف الاحتلال فحسب، بل يقوض الوحدة الوطنية الفلسطينية ويضعف موقف الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ويعيد إنتاج روايته على الساحة الدولية إلى جانب إعادة إنتاج نموذج التسوية الذي فشل تاريخيًا في تحقيق أي إنجاز ملموس للشعب الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى