عبدالجليل السعيد.. من عمامة المنبر إلى بوق التطبيع

تحوّل عبدالجليل السعيد، الذي يقدّم نفسه اليوم مديرًا لما يسمى «المركز الإسكندينافي الخليجي للدراسات»، إلى منصة دعاية صريحة لخطاب دول التطبيع العربي، مستبدلًا لغة القيم والحقوق بلغة تبرير الاحتلال والتطبيع.
ففي كل ظهور إعلامي، يبدو الرجل كمن يؤدي دورًا محفوظًا مسبقًا الهجوم على المقاومة، وشيطنة فصائلها لاسيما حركة حماس، وتكرار السرديات الإسرائيلية التي تبرر العدوان على غزة.
وتجسد مسيرة السعيد المليئة بالتحولات الحادة نموذجًا صارخًا لانعدام الثبات المبدئي. فالرجل الذي بدأ حياته كرجل دين ومفتي، سرعان ما خلع عباءة الوعظ ليرتدي بدلة “الناشط الإعلامي”.
وتنقل السعيد من الدفاع عن النظام السوري إلى معارضته، ومن المنابر الدينية إلى قنوات المعارضة، ثم إلى منابر تموّلها عواصم خليجية منخرطة في التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ما يعكس نزعة انتهازية مفرطة تبحث عن موقع النفوذ والمال تحت أي لافتة.
عبدالجليل السعيد ويكيبيديا
حين يهاجم السعيد المقاومة الفلسطينية اليوم، يتجاهل تاريخه الشخصي المثير للجدل، بما في ذلك ظهوره السابق في لقاءات علنية مع شخصيات إسرائيلية مثل الناطق باسم الجيش أفيخاي أدرعي.
تلك الصور التي نشرها بنفسه كانت كافية لفقدانه مصداقيته بين السوريين والعرب على السواء. ومع ذلك، لا يزال يحاول إعادة تسويق نفسه بصفة «الإعلامي الواقعي» الذي يجرؤ على قول ما لا يجرؤ الآخرون عليه، بينما هو في الحقيقة يكرر حرفيًا خطاب الماكينات الإعلامية الإسرائيلية.
وتحت لافتة “تحليل سياسي” يكرّس السعيد خطابه لترويج الفكرة الأخطر في المنطقة: أن مقاومة الاحتلال «عبء»، وأن التطبيع هو «خيار التقدم».
بهذا المعنى، فهو ليس محلّلًا ولا باحثًا، بل أداة وظيفية في معركة تزييف الوعي العربي. فحين يصف حماس بأنها «المتعاون الأكبر مع إسرائيل»، فإنه يتجاهل العشرات من قادة الحركة الذين استشهدوا في عمليات اغتيال إسرائيلية آلاف الشهداء والجرحى الذين سقطوا تحت قصف الاحتلال نفسه الذي يدّعي أنه يعارضه.
من هو عبدالجليل السعيد؟
سيرة السعيد السياسية تشي برجلٍ يبدّل مواقفه كما يبدّل القنوات. فمن تأييد بشار الأسد إلى الانقلاب عليه، ومن الترويج للمعارضة إلى الارتباط بمنابر خليجية ذات أجندة مطبّعة، لم يبقَ في خطابه أي خيط منسجم.
في كل مرحلة، كان الولاء مرتبطًا بمصلحة آنية، لا بموقف مبدئي. وهذا ما جعل كثيرين من الإعلاميين العرب يصفونه بأنه صوتٌ مبرمج، لا مفكّر حر.
وليس غريبًا أن يفقد السعيد حضوره في الساحة السورية والعربية. فكلما ارتفع صوته ضد المقاومة، تضاءلت مكانته في الشارع العربي الذي يرى في خطاب التطبيع خيانةً صريحة للقضية الفلسطينية.
فقد اختار أن يكون جزءًا من شبكة أفيخاي بهدف تحويل الاحتلال إلى واقعٍ عادي، والمقاومة إلى عبءٍ مزعج.
وهو بذلك ليس حالةً استثنائية بقدر ما هو نموذج مكشوف لظاهرة “المرتزقة الإعلاميين” الذين يبدّلون أقنعتهم وفق اتجاه الريح السياسية.
وبينما يسعى لتلميع صورته كخبير، يتّضح أن ما يقدّمه هو خدمة دعائية مجانية لدول التطبيع التي تبحث عن أصواتٍ عربية تغسل بها وجهها أمام شعوبٍ لا تزال ترفض التنازل عن حقها في فلسطين.
