فضيحة محمد التلولي تثير زلزالا شعبيا.. سقوط في القاع

أثارت فضيحة محمد التلولي بظهوره في أروقة البرلمان الأوروبي إلى جانب الباحث الإسرائيلي روني شاكيد، وتقديمه شهادات تحريضية ضد وكالة الأونروا ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية، زلزالا شعبيا وموجة ضخمة من الانتقادات أكدت مجددا على السقوط في القاع لأعضاء شبكة أفيخاي.
وظهر التلولي في الفضيحة المذكورة، مرتديًا شعار التضامن مع الأسرى الإسرائيليين، في وقت تختطف فيه إسرائيل آلاف الفلسطينيين، بينهم أطباء ومسعفون، وتُمارس بحقهم أفظع الانتهاكات من تعذيب واغتصاب وتجويع.
وقد اعتُبر هذا المشهدبمثابة سقوط مدوٍّ في القاع، ليس فقط للتلولي نفسه، بل أيضًا لشبكة “أفيخاي” التي لطالما روّجت للرواية الإسرائيلية واحتضنت شخصيات مثيرة للجدل من هذا النوع.
من هو محمد التلولي؟
التلولي كان يحظى بدعم وترويج من قبل دوائر إعلامية وسياسية مرتبطة بشبكة “أفيخاي”، التي طالما سعت لتقديمه على أنه صوت يعبر عن “الواقعية الفلسطينية”، بل وحتى عن خط منظمة التحرير.
لكنّ مشاركته الأخيرة في جلسة أوروبية أثارت موجة رفض صاخبة أجبرت هذه الشبكة نفسها على التبرؤ منه، بعدما اتضح أن ما يطرحه لا يعكس سوى دعاية صريحة للاحتلال.
وتعكس هذه الانتقادات حجم الهوة بين ما يُحاول بعض الأفراد تمريره في أروقة السياسة الغربية، وبين المزاج الشعبي الفلسطيني الذي يرى في التلولي نموذجًا للاختراق والاستغلال.
واللافت أن ظهور التلولي لم يكن في سياق شخصي أو محلي، بل من داخل قاعة البرلمان الأوروبي، حيث جلس إلى جانب الباحث الإسرائيلي روني شاكيد، أحد أبرز وجوه الدعاية الصهيونية، ليقدّم شهادات تحريضية ضد وكالة الأونروا ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية.
وقد أثار هذا المشهد تساؤلات عميقة: كيف تحوّل الألم الشخصي لفرد فقد والده وشقيقته على يد الاحتلال إلى منصة تُستخدم لتبييض صورة هذا الاحتلال نفسه؟ وكيف سمح الاتحاد الأوروبي بتحويل قاعاته إلى منبر دعائي يستهدف تشويه الفلسطينيين بدل الاستماع إلى معاناتهم؟
شبكة أفيخاي ويكيبيديا
محمد التلولي لم يكن شخصية مجهولة. فقد عرفه الشارع الفلسطيني سابقًا كأحد وجوه “حراك بدنا نعيش” المزعوم في غزة عام 2019، وهو حراك وُصف بداية بأنه عفوي يطالب برفع الحصار وتحسين الأوضاع الاقتصادية، لكن سرعان ما لاحقته اتهامات بالاختراق والتوظيف السياسي، خصوصًا مع محاولات استغلاله من قبل أجهزة استخباراتية معادية.
وبدل أن يتحوّل إلى رمز احتجاجي صادق، صار الحراك – في نظر كثيرين – بوابة لاختراقات واسعة، وهو ما انعكس لاحقًا على مسار التلولي نفسه، الذي انتقل من ناشط اجتماعي إلى أداة بيد أجهزة الدعاية الإسرائيلية.
والمفارقة المؤلمة أن دولة الاحتلال الإسرائيلي التي قَتلت والد التلولي في بداية حرب الإبادة على غزة أثناء وجوده في منزله، واغتالت شقيقته التي كانت تعمل مسعفة في جباليا، هي نفسها التي اصطف التلولي إلى جانبها ليهاجم المناهج الفلسطينية ويصفها بأنها “مفرخة للإرهاب”.
وقد فجر هذا التناقض صدمة شعبية عارمة: كيف يمكن لمن فقد أقرب أفراد عائلته أن يختار الوقوف في صف قاتليهم؟ وكيف يمكن لألم الفقد أن يتحوّل إلى أداة طيّعة لتبرير رواية العدو؟
وما يكشفه مسار التلولي هو نجاح الاحتلال في تطبيق سياسة ممنهجة يمكن وصفها بـ “إخضاع الضحية”. فبدل الاكتفاء بالقتل والتدمير، يسعى الاحتلال إلى توظيف بعض الأفراد عبر استغلال هشاشتهم النفسية، شعورهم بالخذلان، أو حتى طموحاتهم الشخصية.
وتُظهر حادثة التلولي كيف يمكن للأجهزة الاستخبارية أن تعيد إنتاج روايتها عبر وجوه فلسطينية، لتصبح أكثر قبولًا في الغرب. وهنا تكمن الخطورة: تحويل الضحية إلى شاهد ضد شعبه، واستغلال الألم الإنساني لتبرير سياسات الإبادة.
فضيحة محمد التلولي
ردود الفعل الفلسطينية على الحادثة كانت بمثابة زلزال شعبي. فقد امتلأت منصات التواصل بانتقادات لاذعة للتلولي، وُصف فيها بأنه “سقط في القاع”، وأنه “تخلى عن دماء عائلته” واصطف مع جلاده.
هذه الموجة الشعبية لم تكن مجرد حالة غضب آنية، بل تعبيرًا عن وعي متجدد بخطورة أدوات الاختراق، وعن تصميم على فضحها وعدم السماح لها بالتسلل إلى النسيج الوطني.
كما أن الضربة لم تطل التلولي وحده، بل امتدت إلى شبكة “أفيخاي” نفسها، التي بدت في موقف حرج بعدما تبنّت التلولي واحتفت بخطابه سابقًا. التبرؤ المتأخر منه كشف هشاشة هذه الشبكات وانكشافها أمام الرأي العام الفلسطيني، الذي يرى أنها لا تعبّر إلا عن مصالح ضيقة مرتبطة بالاحتلال.
وبينما تواصل دولة الاحتلال حرب الإبادة في غزة والضفة، وتحاول تجنيد وجوه فلسطينية عميلة لتسويق روايتها عالميًا، فإن الغضب الشعبي الذي أثارته هذه الحادثة يبرهن أن المجتمع الفلسطيني يمتلك مناعة ووعيًا قادرًا على فضح الاختراقات ومقاومة محاولات الإخضاع.