تحليلات واراء

فضيحة غير مسبوقة للنظام الأردني إثر مسرحية كسر حصار غزة

غضب واسع بعد الترويج لوهم "القوافل" وتجاهل المجاعة المتفاقمة

في وقت تتفاقم فيه المجاعة بشكل غير مسبوق في قطاع غزة، وتتعالى فيه صرخات المدنيين الباحثين عن رغيف خبز أو جرعة ماء نظيف، فوجئ المتابعون بإعلان الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية عن “كسار حصار غزة” بإرسال أربع قوافل مساعدات برية إلى غزة، بالتعاون مع منظمات دولية وإغاثية.

وبينما تحدث البيان الرسمي عن قوافل “محملة بالمواد الغذائية، وعلى رأسها مادة الطحين”، لم يرَ الواقع في غزة أي أثر لتلك الشحنات، مما فجّر موجة غضب شعبية عارمة واتهامات للأردن بـ”المتاجرة الإعلامية الرخيصة” على حساب جوع الفلسطينيين وكرامتهم.

تضخيم إعلامي ولقطات استعراضية

رافق إعلان إرسال المساعدات حملة إعلامية ضخمة في الأردن، تضمنت تصويرًا دقيقًا للناقلات العسكرية أثناء شحن صناديق تحمل شعارات “إغاثة عاجلة لغزة”، مع تغطية موسعة في الإعلام الرسمي والخاص، وتصريحات لجهات حكومية أشادت بـ”الدور الريادي” للأردن في الوقوف إلى جانب غزة.

وقد رافقت الحملة لقطات مسرحية أظهرت صناديق مُرتّبة بعناية، جنودًا يصافحون موظفي الهيئة، وكاميرات تُصوّر كل تفصيل في مشهد بدا أقرب إلى إعلان تجاري منه إلى مهمة إغاثة إنسانية في منطقة منكوبة.

ولم يَسلم ذلك المشهد من النقد، إذ اعتبره ناشطون بأنه “عرضا مسرحيا مهينا”، هدفه امتصاص غضب الشارع العربي، وتجميل صورة النظام الأردني المترنح تحت الضغوط الإقليمية والتناقضات السياسية.

وما يؤكده النشطاء في غزة، أن النظام الأردني لم يُدخِل أي مساعدات حقيقة إلى قطاع غزة، وأن ما جرى مجرد “حملة يقوم بها نشطاء النظام الأردني حول دور مزعوم لعمان بإدخال المساعدات إلى غزة، وهذا الكذب يأتي في سياق تبرئة الاحتلال الإسرائيلي من جريمتها، وتبرئة الأردن من خذلانها”.

لا مساعدات وصلت فعليًا

في تناقض مباشر مع الرواية الأردنية، أكدت مصادر محلية متعددة في قطاع غزة، من بينها لجان شعبية وعمال موانئ ومراسلون ميدانيون، أنه لم تدخل أي مساعدات حقيقية من الأردن إلى القطاع.

وبحسب هذه المصادر، فإن “كل ما رُوّج له إعلاميًا هو مجرد وهم”، مشيرين إلى أن معبر كرم أبو سالم – بوابة البضائع الوحيدة إلى غزة – لم يشهد دخول شاحنات طحين أردنية خلال الأيام التي أعلنت فيها الهيئة عن قوافلها.

وذهب أحد النشطاء في غزة إلى حد القول: “يذبح القطاع جوعاً، وأنتم تغذون الكاميرات لا البطون الجائعة!”، في وصف موجز لحالة السخط التي تسيطر على المواطنين.

“تمثيل سياسي منحط”

يصف مراقبون هذه الحملة بأنها ليست فقط إخفاقًا سياسيًا وأخلاقيًا، بل نموذجًا لنهج “الاستعراض على حساب الكارثة”.

إذ يرى كثيرون أن النظام الأردني لم يسعَ فعليًا لإدخال المساعدات، وإنما استثمر صورة القضية الفلسطينية لإبراز نفسه كوسيط “رحيم” يفتح ممراً إنسانيًا، دون أن يكون لذلك أثر فعلي.

يقول أحد الصحفيين الفلسطينيين في تحليل على مواقع التواصل: “نحن أمام أنظمة تمارس الوقاحة السياسية في أقصى صورها. تمثيل سياسي منحط، يخجل منه التاريخ، ويستغل الكارثة لتسجيل نقاط إعلامية على حساب دمنا وجوعنا”.

رواية متهاوية أمام الوقائع

تحاول الهيئة الخيرية الأردنية الترويج لأنشطتها على الأرض من خلال حساباتها الرسمية ومقاطع الفيديو الترويجية، مثل المقطع المنشور عبر إنستغرام، والذي يُظهر شاحنات تتحرك في مناطق أردنية، دون أي دليل على عبورها الحدود أو دخولها فعليًا إلى غزة.

ولم تُقدّم الهيئة أو الحكومة الأردنية أي وثائق تثبت استلام السلطات المحلية أو الأممية في غزة لهذه الشحنات، كما أن برنامج الغذاء العالمي ووكالات الأمم المتحدة لم تصدر أي تأكيد على تلقي مساعدات أردنية في الأيام الماضية.

استغلال سياسي أم نفاق إقليمي؟

لم تأتِ هذه الفضيحة في سياق منفصل، بل ضمن موجة غضب عربي شعبي تجاه الأنظمة التي ترفع شعار “التضامن مع غزة” وتخفي تعاونها الأمني أو الاقتصادي مع الاحتلال.

فالأردن، الذي يحتفظ بمعاهدة سلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وسخر نفسه حصنا منيعا للدفاع عن تل أبيب، بات متورطا اليوم بمحاولة الموازنة بين علاقاته الاستراتيجية ومظاهر الدعم الرمزي لغزة، دون أي التزام حقيقي بإغاثة الشعب المنكوب أو فك الحصار عن القطاع.

وقد طالبت منظمات حقوقية ونشطاء في الأردن بإجراء تحقيق شفاف في حقيقة “قوافل المساعدات”، ومحاسبة المسؤولين عن تسويق مشهد غير واقعي على أنه “نصر إغاثي”.

كما دعا آخرون إلى مراجعة دور الهيئة الخيرية الأردنية، وطريقة استخدامها كأداة دبلوماسية أكثر منها جسراً فعليًا لنقل المساعدات إلى الشعوب المنكوبة.

ويؤكد مراقبون أنه في زمن المجاعة والدمار، لا يُغفر للنظام الأردني – ولا لغيره من الأنظمة التي تتاجر بالكوارث – أن يُقيم مهرجانات إعلامية فوق جثث الأطفال الجياع، لتتحول المساعدات الإغاثية من ضرورة إنسانية إلى أداة دعاية، ومن رسالة نجدة إلى وسيلة تسويق. وإن كان ثمة فضيحة، فهي ليست فقط في الكذب الإعلامي، بل في الإصرار على إهانة وعي الشعوب واستهانة بآلام الضحايا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى