معالجات اخبارية

العصابات في غزة.. مشروع إسرائيلي لتفكيك الجبهة الداخلية بعد الحرب

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم يكن هدف الاحتلال محصورًا في التدمير العسكري فحسب، بل تجاوز ذلك إلى بناء واقع داخلي مضطرب، قائم على الفوضى وانهيار منظومة الأمن والمجتمع، ومع طول أمد الحرب وغياب النظام، بدأت تتشكل ملامح جديدة للفوضى، تجسدت في مجموعات مسلحة تحولت إلى أدوات لتفكيك الجبهة الداخلية وضرب صمود السكان.

وتراكمت مظاهر الانفلات مع الانهيار الاقتصادي وتراجع قدرة الحكومة على فرض النظام، فانتشرت ظواهر النهب وقطع الطرق والسيطرة على شاحنات المساعدات، حتى أصبحت جزءًا من المشهد اليومي، ومع غياب الردع، تحولت بعض العائلات إلى بيئة حاضنة لعناصر خارجة عن القانون، لتتداخل الفوضى الأمنية مع التجويع والحصار في مشهد بالغ التعقيد.

العصابات في غزة

وفي هذا المناخ، برزت أسماء مثل العميل ياسر أبو شباب، الذي قاد مجموعة مسلحة في رفح تحت مسمى “القوات الشعبية”، ارتبطت بشكل مباشر بتوجيهات إسرائيلية، وتولت مهمة السيطرة على قوافل المساعدات وتأمينها تحت إشراف جيش الاحتلال.

لاحقًا، اعترف مسؤولون إسرائيليون بأن إسرائيل سلّحت هذه المجموعة وساعدتها على العمل ضد المقاومة، وقد حاول أبو شباب تبرير تحركاته بدعم من “السلطة الفلسطينية”، غير أن تقارير أممية أشارت بوضوح إلى مسؤوليته عن نهب المساعدات وإعادة توزيعها على نحو يخدم أجندة الاحتلال.

ياسر أبو شباب
ياسر أبو شباب

إلى جانب ذلك، ظهرت مجموعات أخرى في مناطق مختلفة من القطاع، من بينها عصابة معتز دغمش في حي الصبرة، التي خاضت مواجهة مسلحة مع أجهزة الأمن في أكتوبر 2025، في واحدة من أبرز المواجهات الداخلية بعد الحرب.

وتشير التقارير إلى أن العصابة ورثت بنية مسلحة قديمة من “جيش الإسلام”، وأنها خاضت مواجهات متكررة مع حماس منذ سنوات، ما جعلها أداة مثالية لتأجيج الصراع الداخلي.

كما شكّل العميل رامي حلس في شرق غزة خلية مسلحة تتلقى دعمًا مباشرًا من المخابرات الإسرائيلية عبر ضابط يُعرف باسم “أبو رامي”، تتولى تنفيذ مهام ميدانية تشمل الرصد والخطف والاستهداف ضد عناصر المقاومة.

وتضم المجموعة أفرادًا من حركة فتح وموظفين مرتبطين بالسلطة الفلسطينية في رام الله، ما أضاف بُعدًا سياسيًا خطيرًا إلى النشاط الميداني لهذه العصابات.

رامي حلس
رامي حلس

في شرق غزة، يُعد العميل أحمد جندية المسؤول الرئيسي عن عصابة عملاء شكّلها جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي اتخذت من حيّ الشجاعية مقرًا لأنشطتها الإجرامية.

وقامت العصابة باحتجاز عدد من المواطنين كرهائن، ونفّذت أعمالًا تهدف إلى إضعاف الجبهة الداخلية وإشاعة الفوضى، قبل أن تتدخل المقاومة وتتمكن من تفكيك الشبكة بالكامل.

وبعد هذه العملية، سلّم جندية نفسه مع بعض عناصره إلى قوات أمن المقاومة، في خطوة مهمة ضمن جهود ملاحقة المتعاونين مع الاحتلال وحماية المجتمع المحلي.

أحمد جندية
أحمد جندية

وفي الشمال، برز العميل أشرف المنسي، الذي قاد شبكة تُعرف بـ”الجيش الشعبي” في بيت لاهيا وبيت حانون، بالتنسيق مع أبو شباب.

وقد أشارت المصادر إلى أن هذه التشكيلات تتلقى دعمًا استخباراتيًا مباشرًا من جهاز الشاباك ووحدة 8200 في جيش الاحتلال، في عملية منظمة تهدف لإدارة الفوضى من الداخل.

العميل أشرف المنسي
العميل أشرف المنسي

الفوضى المنظّمة

وفي خان يونس، كانت عصابة المجايدة مثالًا صارخًا على تحول السلاح والسطو إلى مشروع منظم للثراء والفوضى، إذ تورطت في سرقة مساعدات تقدر بملايين الدولارات والمتاجرة بها، إلى جانب تنفيذ اعتداءات على مقاومين ومدنيين، وعندما تحركت الأجهزة الأمنية لضبطها، تدخل الطيران الحربي الإسرائيلي لمساندة العصابة، ما أسفر عن استشهاد عدد من عناصر المقاومة.

كما ظهر اسم العميل حسام الأسطل، الضابط السابق في الأمن الوقائي، الذي أعلن تأسيس مجموعة مسلحة في خان يونس تحت مسميات مختلفة، مقدّمًا نفسه كقوة “بديلة” لحكم حماس، ورغم محاولاته الظهور بمظهر “المنقذ”، إلا أن عائلته تبرأت منه بشكل علني، معتبرة أفعاله خيانة لقيمها الوطنية والاجتماعية.

حسام الأسطل
حسام الأسطل

ورغم تعدد هذه العصابات واختلاف مناطق نشاطها، إلا أنها اشتركت في خيط واحد وهو ارتباطها المباشر أو غير المباشر بالاحتلال، وسعيها لخلق واقع من الفوضى والانقسام يسهل السيطرة على القطاع، ومع اعتراف قادة إسرائيليين، من بينهم نتنياهو وليبرمان، بتسليح مجموعات داخل غزة، يتضح أن الهدف لم يكن دعم “عشائر محلية” كما زعموا، بل تفكيك النسيج المجتمعي وتقويض الحاضنة الشعبية للمقاومة.

وفي ظل استمرار الحصار، واشتداد الأزمة الإنسانية، وجد الاحتلال في هذه العصابات وسيلة بديلة لخوض حرب ناعمة ضد الداخل الفلسطيني، تُنهك المجتمع وتحوّل المعاناة اليومية إلى فوضى منظمة، ومع أن المقاومة تمكنت لاحقًا من تفكيك عدد من هذه الشبكات وإعدام بعض المتورطين، إلا أن آثارها استمرت على المجتمع، مُظهرة عمق التحديات التي يواجهها السكان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى