توني بلير

بقلم عدلي صادق
من بين القناعات الراسخة عند الإنجليز، أن رئيس وزرائهم السابق توني بلير، شخصية انتهازية وإمّعة، وقد أطلقوا عليه سنة 2002 “كلب بوش المدلل” lapdog of Bush على سبيل الاختصار الفاضح بسبب تبعيته العمياء للأمريكيين. وقد تفنن رسامو الكاريكاتير في شرح هذا “الوضع” في رسوماتهم. وفي هذا السياق ثبت على نحو قاطع أن أحداً لم يظلمه، عندما افلتت لاقطات الصوت، في قمة مجموعة الثماني في بيترزبورغ الروسية (سنة 2006) فسمعت محادثة بين بوش وبلير، يخاطب فيها الأول الثاني مثلما يخاطب سائقه أو حارسه، على النحو الذي لا يليق برئيس بريطانيا “العُظمى”. وربما كانت المخابرات الروسية هي التي حثت اللواقط على إسماع الحاضرين حقيقة هذا الإمّعة الأرزقي.
في سنة ١٩٩٤، أقام بلير علاقة تحالف مع مايكل ليفي، أحد قادة المجلس اليهودي البريطاني، وكلفه بإدارة صندوق مكتب زعيم حزب العمال، لتمويل حملة بلير قبل الانتخابات العامة، وجمع ليفي من الصهابنة 12 مليون جنيه استرليني لدعم حزب العمال، ولما حقق العماليون فوزاً بفارق ضئيل؛ كوفيء ليفي الصهيوني بإثنتين: منحه لقب النبلاء، وتعيينه سنة 2002 مبعوثًا شخصيًا لتوني بلير إلى الشرق الأوسط. وبالطبع تبادل بلير وليفي امتداح واحدهما الأخر، مثلما يفعل مخاتير الغجر الذين لا يجدون من يمتدحهم فيمدحون بعضهم البعض. قال ليفي: “إنني فخور جداً بدعم بلير القوي والملتزم لدولة إسرائيل” وهذا الذي جعل السيد المخضرم تام دالييل، الموصوف بالأب الروحي لمجلس العموم البريطاني، يقول سنة 2003 “إن قرارات بلير في السياسة الخارجية تأثرت بشكل غير ملائم بعصابة من المستشارين اليهود، بمن فيهم ليفي وبيتر ماندلسون وجاك سترو”!
ككلب مدلل لجورج يوش، أتهم بلير بالحث على ارتكاب جرائم حرب في العراق. ولما حماه الأمريكيون من المثول أمام محكمة الجنايات الدولية، اضطر الزعيم الماليزي محاضر محمد (مهاتير) إلى تشكيل محكمة من قضاة دوليين، من بينهم استاذ القانون الأمريكي الشهير والمختص بقضايا حقوق الإنسان فرانسيس بويل (الذي توفي في مطلع هذه السنة) وقد أدانت المحكمة بلير سنة 2011 بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات ضد الإنسانية.
مثل هذه الشخصية هي التي تلائم دونالد ترمب، لكي يكلفها بمهمة في غزة، وتكون ملائمة لمجرم الحرب نتنياهو. وبالطبع لن يخطر في ذهن ترامب الاستئناس برأي رجل محترم كأمين عام المنظمة الدولية انطونيو غوتيرش. فكل خياراته للمهمات والنساء وكل صياغاته لمقترحاته الفاجرة تعتمد على العناصر التي لا علاقة لها بأي اختصاص محترم، وأغلب الظن أنه لن ينجح في أي مسعى، لأن رؤيته أصلاً قاصرة، وتنبثق عن غطرسة وجهل بقضايا الشعوب وحقوقها ومعاناتها، وعن احتقار ثأري للقانون الدولي وللعدالة .
فمن هو بلير هذا لكي يُنتدب لرئاسة إدارة سياسية انتقالية في غزة؟ فلا هو محايد، ولا هو منحاز للناس الأبرياء، ولا هو صاحب فهم إنساني للقضايا، ولا هو ذو سيرة حميدة مشهوداً له بشرف الموقف في النزاعات.