تحليلات واراء

أنظمة السعودية ومصر والأردن والإمارات.. تآمر تخطى حدود الوصف ضد غزة

منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، انكشفت مواقف الأنظمة العربية الرسمية في المنطقة أكثر من أي وقت مضى وسط تآمر تخطى حدود الوصف.

ففي وقتٍ كانت فيه صور الأطفال تحت الركام تملأ الشاشات، والعائلات الفلسطينية تُباد جوعًا وقصفًا، ظلّت أنظمة السعودية ومصر والأردن والإمارات ماضية في مسارٍ مريب من التحالف العلني والتنسيق الخفي مع الاحتلال الإسرائيلي، تحت ذرائع “الاستقرار الإقليمي” و”السلام الاقتصادي” و”إدارة ما بعد الحرب”.

ويؤكد مراقبون أن ما يجري لم يعد صمتًا ولا تواطؤًا؛ بل تآمرٌ منسقٌ ومتعدد الأوجه، يتقاطع في السياسة والاقتصاد والأمن والإعلام، ويعبّر عن انهيار أخلاقي كامل في الموقف العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية.

تطبيع رغم الدماء

في خضم الإبادة المستمرة، لم تتراجع أيٌّ من الأنظمة الأربعة عن مسار التطبيع. بل على العكس، استمرت اللقاءات العلنية والاتصالات الأمنية والاقتصادية.

في السعودية، ورغم توقف المفاوضات الرسمية حول “اتفاق التطبيع الكامل”، فإن قنوات الاتصال بين الرياض وتل أبيب لم تُغلق، خاصة عبر واشنطن.

واستمرت اللقاءات غير المعلنة بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين حول “ترتيبات ما بعد غزة”، في ظل تناغم الموقف السعودي مع التصور الأميركي – الإسرائيلي القاضي بإعادة صياغة الحكم في القطاع وإضعاف المقاومة.

أما الإمارات، فقد تجاوزت كل الخطوط الحمراء. فبينما تتوالى التقارير عن استثمارات إماراتية في الشركات الداعمة للجيش الإسرائيلي، استمر “مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي” في عقد فعالياته الاقتصادية، وواصلت أبوظبي استقبال وفود إسرائيلية رسمية وتجارية، حتى خلال أشد أيام المجازر في غزة.

وفي مصر، التي تُفترض أنها بوابة غزة، تحوّلت المعابر إلى أدوات ضغط على الفلسطينيين، وأداة تفاوضية في يد دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم خطاب القاهرة “الإنساني”، فإنها أبقت المعبر مغلقًا لأشهر طويلة أمام المساعدات، وساهمت في خنق القطاع بالتنسيق مع الاحتلال.

أما الأردن، الذي يُفترض أنه الأكثر حساسية لقضية فلسطين بسبب تركيبته السكانية والجغرافية، فقد اكتفى ببيانات غامضة، فيما حافظت حكومته على علاقات التنسيق الأمني والاستخباري مع إسرائيل، ولم يتخذ أي خطوة عملية لقطع العلاقات أو طرد السفير الإسرائيلي رغم المطالب الشعبية المتصاعدة.

تبادل أمني وتجاري بلا توقف

تؤكد التسريبات الغربية والإسرائيلية أن العلاقات الأمنية والاستخباراتية بين دولة الاحتلال وهذه الأنظمة بلغت مستويات غير مسبوقة خلال الحرب.

فالقاهرة تشارك منذ بداية العدوان في تبادل المعلومات حول تحركات المقاومة ومعابر الأنفاق. وأجهزة الأمن الإماراتية ساهمت، عبر شركات التكنولوجيا التي تتعامل مع إسرائيل، في تقديم خدمات تتعلق بالذكاء الاصطناعي والمراقبة الرقمية.

أما السعودية، فتنشط ضمن التنسيق الأميركي الإسرائيلي في مراقبة قنوات التمويل والدعم اللوجستي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بما يتناغم مع الأجندة الإسرائيلية – الأميركية الرامية لتجفيف مصادر الدعم للمقاومة.

وفي المقابل، لم تتأثر حركة التجارة بين تل أبيب وهذه العواصم رغم الإبادة. فقد واصلت الإمارات ومصر تبادل السلع والخدمات مع شركات إسرائيلية، بعضها مرتبطة مباشرة بالمجمع العسكري الإسرائيلي.

واستمرت الشركات المصرية في تصدير الغاز لإسرائيل عبر الخطوط القديمة نفسها، فيما يتم تسويقه إسرائيليًا باعتباره جزءًا من “الشراكة الإقليمية في الطاقة”.

تحريض إعلامي وسياسي على المقاومة

لم يكتفِ المحور الرباعي بالصمت، بل انخرط في حملة تحريض غير مسبوقة ضد المقاومة الفلسطينية.

فالإعلام الإماراتي والمصري والسعودي الرسمي والخاص شنّ حملات مكثفة لتشويه صورة المقاومة، واتهامها بالتسبب في معاناة المدنيين أو بالعمالة لإيران، في تناغم واضح مع الخطاب الإسرائيلي.

وشهدت منصات إعلامية عربية بارزة تغطيات تُعيد إنتاج السردية الإسرائيلية بالكامل، وتقدّم الاحتلال باعتباره “شريكًا في الحرب على الإرهاب”، بينما تصف المقاومة بأنها “ميليشيا متطرفة”.

بل إن بعض الأصوات المقربة من هذه الأنظمة طالبت علنًا بـ”نزع سلاح غزة” و”تسليمها لإدارة عربية”، وهو الطرح نفسه الذي تتبناه تل أبيب وواشنطن، ويهدف عمليًا إلى القضاء على أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية.

قمع التضامن الشعبي مع غزة

من أخطر مظاهر التواطؤ هو قمع التضامن الشعبي في هذه الدول.

ففي مصر، مُنعت أي مظاهرة تضامنية مع غزة، واعتُقل نشطاء رفعوا العلم الفلسطيني في الشوارع.

وفي السعودية والإمارات، جرى منع أي تجمعات أو بيانات دعم، بل أُغلقت حسابات إلكترونية تضامنية مع الفلسطينيين.

أما في الأردن، فقد استخدمت السلطات القوة وسلاح الاعتقالات التعسفية لتفريق المسيرات أمام السفارة الإسرائيلية في عمّان، رغم أنها بقيت سلمية بالكامل.

بهذا السلوك، لا تكتفي هذه الأنظمة بالتخلي عن فلسطين، بل تحاول محوها من وعي شعوبها، ومنع أي صوت يمكن أن يُذكّر بجرائم الإبادة اليومية في غزة.

وبالمحصلة فقد تجاوزت أنظمة السعودية ومصر والأردن والإمارات مرحلة “الصمت المريب” إلى مرحلة “التواطؤ الفعّال”.

فهي اليوم شريك مباشر في الحرب على غزة عبر الدعم السياسي لإسرائيل، واستمرار العلاقات الاقتصادية، وتبادل المعلومات الأمنية، وإسكات شعوبها، وتحويل قضية فلسطين إلى عبء سياسي وأمني.

هذا التواطؤ لا يمكن وصفه بأنه “خذلان” فحسب، بل هو مساهمة عملية في مشروع تصفية القضية الفلسطينية. وبينما يُدفن آلاف الشهداء تحت الركام، تبني هذه الأنظمة “جسورًا” مع القاتل وتُغلق الأبواب في وجه الضحية.

في التاريخ، سيُذكر أن غزة صمدت وحدها، بينما اختار جيرانها التآمر عليها تحت لافتة “السلام” و”الواقعية السياسية”، في أبشع فصل من فصول الانحطاط العربي المعاصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى