تحليلات واراء

سوريا الجديدة وتخليها عن قضية فلسطين: انقلاب على المقاومة لصالح واشنطن وتل أبيب

شهدت الأيام الماضية حادثة رمزية تكشف بوضوح التحولات الخطيرة في موقف النظام السوري الجديد تجاه القضية الفلسطينية ومقاومته في ظل ما يتبناه علنا من انقلاب على المقاومة لصالح التقرب من واشنطن وتل أبيب.

إذ أن الحفل الثقافي الذي أعلنته مديرية الثقافة السورية في حلب بالتعاون مع فرقة الأرض الفلسطينية تحت اسم “طوفان الأقصى” لم يُقم كما كان مقرراً، بعد أن أُلغيت الإعلانات الرسمية عنه على صفحات وزارة الثقافة والمديرية، ما أثار تساؤلات واسعة حول أسباب التراجع المفاجئ.

وجاء التأجيل بعد تهديد مباشر من الإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين، الذي خاطب الحكومة السورية مستخدماً لغة التهديد المباشر، مطالباً بإلغاء الحفل وتقديم اعتذار، في موقف يظهر بوضوح الانخراط السوري الرسمي في استجابة لإملاءات تل أبيب، وهو تحول دراماتيكي عن موقف دمشق التاريخي الداعم لفلسطين ومقاومتها.

ويبرز مراقبون أن حالة “طوفان الأقصى” ليست مجرد حدث ثقافي مؤجل؛ فهي مؤشر واضح على الانقلاب الاستراتيجي للنظام السوري.

فبعد سنوات طويلة من تبني دمشق دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية، بات النظام الحالي يتخذ خطوات عملية لتقريب موقفه من واشنطن ودولة الاحتلال الإسرائيلي، متخلياً عن أي التزام حقيقي تجاه القضية الفلسطينية، حتى على المستوى الرمزي والثقافي.

سوريا في عهد أحمد الشرع.. تطبيع وتفريط

كانت زيارة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع مؤخرا إلى واشنطن، والتي ترافقت مع تصريحات إعلامية عن إمكانية بدء مفاوضات مباشرة مع دولة الاحلال، تضع هذه الأحداث في سياق واضح: تحول دمشق إلى شريك محتمل في سياسات التهدئة والتسوية مع الاحتلال، على حساب حقوق الفلسطينيين ومعاناة الشعب الفلسطيني، خصوصاً بعد حرب الإبادة الأخيرة على غزة التي أسفرت عن دمار هائل ومآسٍ إنسانية.

ويشير الخطاب الرسمي السوري الذي حجب الإعلان عن الحفل وامتثل لمطالب إعلام إسرائيلي، إلى تآكل السيادة السياسية للنظام، وتحول مؤسسات الدولة، بما فيها وزارة الثقافة، إلى أدوات تنفيذية لتوجهات سياسية جديدة، بعيداً عن قيم الثورة والدعم التقليدي لفلسطين.

كما أن حذف الإعلان عن الحفل شكل رسالة واضحة عن مدى استعداد النظام للتخلي عن أي رمزية مرتبطة بالمقاومة، في محاولة لإظهار طاعة ضمنية لسياسات واشنطن وتل أبيب.

فضلا عن ذلك فإن الحدث يعكس أيضاً ضعف الموقف الداخلي للنظام السوري تجاه المجتمع الفلسطيني المحلي والمهاجرين الفلسطينيين داخل الأراضي السورية.

فبدلاً من تعزيز التضامن مع فلسطين وإظهار موقف مبدئي ثابت، اختار النظام الانصياع للتهديدات الخارجية، متغاضياً عن مبدأ دعم القضية الفلسطينية الذي شكّل جزءاً من شرعية النظام على مدى عقود.

إلى جانب كشف التوجه العام في دمشق للنظام نحو خصخصة القرار السياسي الداخلي لصالح مصالح استراتيجية جديدة، تتمحور حول الاندماج في السياسات الأمريكية الإقليمية، وربما تحسين فرص دمشق في محادثات إقليمية مع إسرائيل، على حساب دعم المقاومة والتزام سوريا التاريخي بالقضية الفلسطينية.

وعلى المستوى المجتمعي، أثارت الحادثة موجة واسعة من الجدل في وسائل التواصل الاجتماعي السورية. فقد رأى البعض أن تأجيل الحفل جاء نتيجة للضغط الإسرائيلي المباشر.

فيما اعتبر آخرون أن تنظيم الحفل من الأساس كان تجاهلاً لمعاناة الفلسطينيين بعد حرب غزة الأخيرة، لكنه في المقابل أظهر هشاشة موقف النظام أمام التهديدات الخارجية، وعجزه عن اتخاذ قرارات سيادية مستقلة.

وتاريخياً، كانت سوريا الحاضنة الأولى للمقاومة الفلسطينية، ومركزاً لدعم الفصائل على كافة المستويات العسكرية والسياسية، فيما اليوم، يبدو أن النظام الجديد يكرر نموذج الأنظمة التي تتخلى عن مبادئها الأصلية لصالح علاقات تكتيكية مع القوى الكبرى، في تناقض صارخ مع ما تفرضه الهوية الوطنية والسياسية السورية، ويثير تساؤلات حول مستقبل الدعم السوري للمقاومة الفلسطينية في ظل هذا التقارب مع واشنطن وتل أبيب.

ويشير مراقبون إلى أن دمشق الحالية تتجه نحو سياسة “التسوية والتعاون”، على حساب أي دعم حقيقي للشعب الفلسطيني أو فصائل المقاومة، وهو ما يمثل انقلاباً على موقفها التاريخي ويعكس تحولاً استراتيجياً في المنطقة.

كما أن ذلك يوجه إشارة صريحة إلى أن سوريا الجديدة لم تعد كما عهدها التاريخ، وأن تحولاتها السياسية والثقافية تهدف في المقام الأول إلى خدمة مصالح النظام الداخلي وعلاقاته الخارجية، على حساب القيم التي كانت تشكل جوهر سياسته الإقليمية لسنوات طويلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى