التآمر على المقاومة عبر التاريخ: العدو نفسه والخونة أنفسهم

تداول مغردون مقطع فيديو قديم من الجزائر في زمن الاستعمار الفرنسي يظهر فيه خائن يطالب بوقف المقاومة لأن “العدو قوي”، وقارنوا بمشهد اليوم حيث تتكرر الكلمات على لسان منافقين ومرتزقة جدد حيث العدو نفسه والخونة أنفسهم بنفس العقلية.
ويأتي ذلك وسط تعالى أصوات إقليمية ودولية تطالب المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، بإعادة حساباتها والقبول باتفاقيات “سلام” تعني فعليًا الاستسلام ونزع سلاح المقاومة وتسليم القطاع للاحتلال من دون ضمان أي حقوق فلسطينية.
وأبرز المغردون أن قراءة التاريخ عربيًا وعالميًا، تؤكد أن الاستسلام لم يكن يومًا طريقًا لحماية الشعوب من بطش المحتل، بل بوابة لمزيد من القهر والهيمنة، فيما أصوات مثل شبكة أفيخاي لا تعدو سوى نسخة مكررة من مرتزقة الاحتلال والاستعمار التي انتهت إلى مزابل التاريخ دوما.
التجويع كسلاح حرب… وغطاء عربي للتصفية
في حرب الإبادة الإسرائيلية، لم تكتف دولة الاحتلال بالقصف الشامل والتدمير الممنهج، بل لجأت إلى التجويع الممنهج كسلاح إبادة جماعية، عبر حصار خانق يمنع الغذاء والدواء والوقود.
هذا الأسلوب يهدف إلى دفع المقاومة للرضوخ، تحت ضغط الأزمة الإنسانية الهائلة، بينما تقوم دول عربية، وعلى رأسها دول التطبيع، بلعب دور الوسيط الضاغط على المقاومة، ليس لإنقاذ المدنيين، بل لإنقاذ دولة الاحتلال من مأزقها العسكري.
وتأتي الاتصالات المكثفة بين هذه العواصم والسلطة الفلسطينية في سياق صياغة تسوية تفضي إلى تفكيك البنية السياسية والعسكرية للمقاومة، وإبعاد قادتها عن غزة، وتسليم السلطة للاحتلال أو لوكلائه المحليين. إنها إعادة إنتاج لسيناريوهات قديمة، حيث تُستخدم الأنظمة العربية كأدوات لتصفية قضايا المقاومة، تحت غطاء “حقن الدماء”.
دروس من الجزائر وفيتنام
يقدم التاريخ نماذج حية على أن الاستسلام لا يجلب الحرية ولا الأمان.
الثورة الجزائرية (1954–1962): رغم حجم المجازر الفرنسية وقسوة الاحتلال، لم يرفع الجزائريون الراية البيضاء، بل واصلوا الكفاح المسلح والسياسي حتى انتزعوا الاستقلال. لو كانوا قبلوا بأي اتفاق مبكر ينزع سلاحهم، لبقي الاستعمار جاثمًا لعقود أخرى.
المقاومة الفيتنامية: في مواجهة أعتى قوة عسكرية في العالم، الولايات المتحدة، لم تختر “ثقافة الحياة” بمعناها الاستسلامي، بل صمدت في الغابات والأنفاق، حتى أجبرت القوات الأميركية على الانسحاب المذل من فيتنام.
هذان المثالان يثبتان أن الاستمرار في المقاومة، حتى في أحلك الظروف، قد يكون السبيل الوحيد لانتزاع الحرية. أما الانصياع للضغوط، فيعني تكريس الاحتلال ومنحه شرعية جديدة.
واليوم، يتبنى الإعلامان العربي والدولي خطابًا يطرح أسئلة ظاهرها إنساني، لكنها في جوهرها أدوات ضغط نفسية وسياسية:
لماذا لا ينتفض أهل غزة على حماس وفصائل المقاومة؟
لماذا لا تطلق حماس سراح الأسرى الإسرائيليين مقابل وقف الحرب؟
لماذا لا تتخلى حماس عن السلطة؟
الواقع أن كل هذه الأسئلة تتجاهل التجارب التاريخية التي تثبت أن المحتل، حتى بعد أي تنازل أو اتفاق، يبحث عن ذريعة لاستئناف الحرب.
إذ أن دولة الاحتلال لن تتوقف عن القتل لأنها حصلت على الأسرى أو على غزة منزوع السلاح، بل ستواصل حملات “التطهير” بحجج أمنية جديدة.
التواطؤ العربي في أوضح صوره
في ظل الضغوط المتنامية على فصائل المقاومة، يظهر التواطؤ العربي في أوضح صوره حيث الدور التخريبي لدول التطبيع العربي، التي باتت أذرعًا إقليمية للمشروع الإسرائيلي–الأميركي في المنطقة.
فهذه الدول لا تتحرك إلا عندما تكون دولة الاحتلال في مأزق وتواجه غضبا شعبيا على مستوى العالم بسبب جرائمها، لتسعي دول التطبيع إلى إنقاذ تل أبيب عبر الضغط على المقاومة، سواء من خلال الوساطات السياسية أو عبر الإعلام الموجه الذي يشيطن المقاومة ويبرر الحصار.
كما أن هذا التواطؤ يتقاطع مع الرؤية الإسرائيلية التي تسعى لتصفية القضية الفلسطينية عبر تحويل الصراع من مواجهة مع الاحتلال إلى صراع داخلي فلسطيني–فلسطيني، الأمر الذي يعفي الاحتلال من تكاليف الحرب المباشرة ويمنحه مساحة لمواصلة التوسع الاستيطاني وتهويد الأرض.
وفي غزة رغم أن الكلفة الإنسانية التي يدفعها أهلها هائلة، وأن الحصار والجوع يفتكان بهم، لكن التاريخ يعلمنا أن الانكسار أمام المحتل لا يحمي الأرواح، بل يفتح أبوابًا لجولات قمع أشد.
فالاستسلام يعني تسليم القرار الفلسطيني بالكامل لإسرائيل وحلفائها الإقليميين، وتجريد الشعب من أي أداة قوة يمكن أن تردع المحتل في المستقبل.
والاستمرار في المقاومة، ولو بأسلوب حرب استنزاف طويلة، هو ما يبقي القضية حية، ويجعل الاحتلال في موقع الدفاع بدل الهجوم. هذا الخيار قد يكون أكثر قسوة في المدى القصير، لكنه يمنح الأمل في التحرر على المدى الطويل، كما حدث في تجارب الجزائر وفيتنام وجنوب أفريقيا.
بالتالي فإن صمود المقاومة الفلسطينية ورفضها الانكسار ليس مجرد خيار عاطفي أو شعاري، بل هو شرط البقاء والكرامة، في مواجهة احتلال لا يعرف إلا منطق القوة، وحلفاء عرب لم يعودوا يتسترون على خيانتهم.