غاز مقابل نفوذ: كيف تحوّل إسرائيل الطاقة إلى أداة ضغط على مصر؟

قالت صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية إن الصفقة الضخمة لتصدير الغاز من دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى مصر يُشكّل نفوذاً دبلوماسياً وأمنياً لتل أبيب على القاهرة وسيوفر لها أداة ضغط دائمة.
وأبرزت الصحيفة أن توقيع صفقة الغاز الضخمة مع مصر يتجاوز بكثير قيمة العناوين التي تتحدث عن 35 مليار دولار، فأحد الأسباب الرئيسية لتأخر الاتفاق كان السلوك الإشكالي لمصر تجاه دولة الاحتلال على المستويين السياسي والأمني.
وبحسب الصحيفة لا تتضمن التفاهمات بين الحكومة الإسرائيلية ومصر بشأن صفقة الغاز التزاماً مصرياً بسحب قوات محظورة من شبه جزيرة سيناء.
وقد علمت “إسرائيل هيوم” أن التفاهمات المرافقة تتضمن حواراً حول آليات لمعالجة الانتهاكات المصرية فيما وعدت الولايات المتحدة بدفع مسار معالجة هذه المسألة، لكن لا يوجد التزام واضح بتصحيح الوضع.
أداة نفوذ سياسي وأمني
بحسب الصحيفة يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنه بمجرد بدء توريدات الغاز ودخول مصر في حالة اعتماد طاقي على الغاز الإسرائيلي، فإن هذا الاعتماد سيشكّل وسيلة ضغط (نفوذاً) لردع القاهرة عن انتهاك معاهدة السلام.
ويجادل المسئولون بأنه لو لم تزود تل أبيب مصر بالغاز، لكانت القاهرة قد توجهت إلى قطر.
وبحسب معلومات جُمعت خلال السنوات الأخيرة، أدخلت مصر قوات إلى سيناء تتجاوز بكثير ما تسمح به الملحقات الأمنية لمعاهدة السلام. كما شيدت أنفاقاً عميقة داخل سيناء لتخزين الأسلحة، ومددت بصورة مثيرة للريبة مدارج الهبوط في بعض المطارات العسكرية.
إنجاز أمني إسرائيلي
بحسب ما هو معروف حتى الآن، لم تُحلّ أي من هذه المشكلات بالكامل. ستبقى القوات المصرية الزائدة في سيناء، لكن مصر قدمت التزامات بالحد من نشاطها. ولمّح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى أن (إسرائيل) حققت عدة مكاسب على الصعيد الأمني.
ورغم الاتفاق، فإن الجهود الرامية إلى “تدفئة” العلاقات السياسية مع مصر لم تنجح حتى الآن بسبب الحرب في غزة التي لم تنتهِ بعد، وبسبب الأجواء المتوترة بين القصر الرئاسي في القاهرة ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وقد درس الأميركيون إمكانية عقد قمة بين نتنياهو وعبد الفتاح السيسي بمشاركة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لكن المصريين رفضوا الفكرة.
وإلى جانب هذه القضايا، يتيح اتفاق الغاز لإسرائيل تحقيق عدة أهداف استراتيجية. أولها اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي، الذي تستخدمه لتلبية احتياجات الطاقة المحلية، وكذلك لتسييله وتصديره إلى أوروبا — وهو مصدر حيوي للعملة الصعبة، ومن دونه قد ينهار الاقتصاد المصري. صحيح أن لدى مصر حقول غاز خاصة بها، لكنها غير كافية لهذه الأغراض.
ويُشكّل هذا الاعتماد نفوذاً دبلوماسياً وأمنياً لإسرائيل على مصر، وإن كان تأثيره يقتصر على القضايا الاستراتيجية الكبرى، وعلى رأسها تقليص — وربما إزالة — المخاوف من أن تلغي مصر معاهدة السلام مع دولة الاحتلال.
صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل ويكيبيديا
تعمل تل أبيب على ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية في قطاع الطاقة. فهي تزود مصر بالغاز، كما تزود الأردن أيضاً، الذي يعتمد عليه لتغطية جزء كبير من استهلاكه للطاقة.
ويأتي الاتفاق المصري مع دولة الاحتلال على حساب قطر. فقد كانت الدوحة تجري محادثات مع السيسي لبناء خط أنابيب غاز جديد من حقول قطر العملاقة إلى مصر. غير أن مدّ مثل هذا الخط يستغرق سنوات، ولم يكن لدى مصر رفاهية الانتظار.
ويفتح الاتفاق الباب أمام مشاريع طاقة إضافية بالتعاون مع دول الخليج، وهي مشاريع مطروحة منذ فترة طويلة، ومن المتوقع أن تتقدم بمجرد التوصل إلى اتفاق يضم السعودية إلى “اتفاقات أبراهام”، وهو أمر يُرجّح ألا يحدث قبل الانتخابات وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة.
وفي مجال الطاقة، ووفقاً للاتفاق، ستبني دولة الاحتلال خط أنابيب غاز إضافياً بين رمات حوفاف ونيتسانا، ما يتيح زيادات إضافية في الصادرات إلى مصر.
كما يُتوقع أن تعيد الصفقة إطلاق المناقصات الخاصة بالتنقيب عن حقول غاز جديدة في شرق البحر المتوسط، وأن تُجدّد وزارة الطاقة استعداداتها لتلك العطاءات الاستكشافية.
وكان سبب آخر لتأخر الاتفاق مع مصر هو مطالبة وزارة الطاقة بأن تكون الاحتياطيات المتبقية في الحقول القائمة كافية للاستهلاك المحلي الإسرائيلي، وأن تبقى أسعارها عند مستوياتها المنخفضة الحالية. ووفقاً لوزارة الطاقة، فقد جرى تلبية هذه المطالب بالكامل.





