غضب شعبي يتصاعد في الضفة ضد قرار قطع رواتب الأسرى والشهداء

تشهد مدن الضفة الغربية حالة غضب شعبي متنام ضد السلطة الفلسطينية، على خلفية إصرارها على الاستمرار في قرار قطع رواتب الأسرى والمحررين وعائلات الشهداء والجرحى، في خطوة شكلت مجزرة اجتماعية وسياسية تستهدف أحد أكثر الملفات حساسية في الوعي الوطني الفلسطيني.
وقد تجلّى هذا الغضب بوضوح في مدينة نابلس، حيث اندلعت احتجاجات شعبية واسعة بعد ظهر السبت، شارك فيها عشرات المواطنين وأهالي الشهداء والأسرى.
وأقدم المحتجون على إضرام النار في الإطارات المطاطية، ورددوا هتافات منددة بالسلطة وقيادتها، مطالبين بوقف ما وصفوه بـ”جريمة قطع الرواتب” وإعادة صرف المخصصات التي تم وقفها عن آلاف العائلات.
واعتبر المشاركون أن القرار لا يستهدف الجانب المالي فقط، بل يمس جوهر العلاقة بين السلطة والشعب، ويشكّل انقلابًا على الثوابت الوطنية التي قامت عليها الحركة الوطنية الفلسطينية.
في المقابل، حاصرت أجهزة أمن السلطة الاحتجاجات وحاولت تفريقها بالقوة، ومنعت المتظاهرين من إيصال رسالتهم، في مشهد أعاد إلى الواجهة الانتقادات المتصاعدة لدور الأجهزة الأمنية واستخدامها لقمع الاحتجاجات الشعبية بدل حماية الحقوق الاجتماعية والوطنية.
وأفاد شهود عيان بمحاولات اعتداء على عدد من المشاركين، ما زاد من حدة الاحتقان في الشارع.
رواتب الشهداء والأسرى
في القاهرة، أصدر الأسرى المحررون المبعدون بيانًا شديد اللهجة، عبّروا فيه عن رفضهم القاطع لقرار السلطة، معتبرين أن الإصرار على قطع رواتب الأسرى والشهداء والجرحى يمثل طعنة في قلب الحركة الوطنية الفلسطينية.
وقال البيان إن ما جرى ليس إجراءً إداريًا أو إصلاحًا ماليًا، بل “جريمة سياسية وأخلاقية مكتملة الأركان”، تنفذ بشكل حرفي الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، وفي خضوع وصفوه بالمهين.
وأضاف الأسرى المحررون أن من يقطع لقمة عيش الأسير وعائلة الشهيد “يقطع صلته بالوطن والقضية”، معتبرين أن القرار يشكّل تنصلاً سافرًا من دماء الشهداء ومعاناة الجرحى وصمود الأسرى، الذين كانوا عبر عقود طويلة الضمير الحي للشعب الفلسطيني.
وحمل البيان السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن تداعيات القرار، مطالبًا بالتراجع الفوري عنه، وفتح ملف الفساد الحقيقي بدل الاحتماء بالاحتلال وسياساته.
وكانت مؤسسة “تمكين” التابعة للسلطة الفلسطينية أعلنت في بيان رسمي أنها لا تصرف ولن تصرف، أي دفعات مالية لعائلات الأسرى أو الشهداء أو الجرحى استنادًا إلى تشريعات أو أنظمة سابقة، بل يتم صرف المخصصات الاجتماعية حصريًا وفق نظام الحماية الاجتماعية الموحد، وبناءً على معيار الاحتياج الاجتماعي فقط، دون أي اعتبارات سياسية أو خلفيات أمنية.
وادعت المؤسسة أن نتائج البحث الاجتماعي الشامل أظهرت أن عددًا من العائلات التي كانت تستفيد سابقًا من المخصصات لا تنطبق عليها معايير الاستحقاق الجديدة، وبالتالي لن تتلقى أي مخصصات مستقبلًا.
كما أعلنت المؤسسة أن نظام الدفعات المرتبط بعدد سنوات السجن “انتهى بشكل كامل ونهائي”، واعتبرت أن الحديث عن استمراره يدخل في إطار التضليل وتشويه الحقائق.
غير أن هذه التبريرات لم تُقنع الشارع الفلسطيني ولا عائلات الأسرى والشهداء، الذين يرون في القرار استهدافًا مباشرًا لتاريخ النضال الفلسطيني ومحاولة لإعادة تعريف الأسرى والشهداء كـ”حالات اجتماعية” لا كرموز وطنية.
وفي هذا السياق، أصدرت اللجنة العليا للأسرى المحررين المبعدين بيانًا تحذيريًا موجّهًا إلى موظفين في مؤسسة تمكين ووزارة المالية، اتهمتهم فيه بالتواطؤ في “سياسة عار” تستهدف قطع المخصصات.
وأكدت اللجنة أن لديها معلومات كاملة عن الأسماء والتحركات، محذّرة من أن السكوت لن يدوم، وأن المساس بحقوق عائلات الشهداء والأسرى خط أحمر لن يتم التغاضي عنه.
وفي ظل هذا المشهد، تبدو السلطة الفلسطينية أمام أزمة مركّبة: أزمة مالية تُدار بقرارات صادمة، وأزمة سياسية تتعمّق مع كل خطوة تمس القاعدة الاجتماعية للنضال الوطني.
ومع اتساع رقعة الغضب، يطرح الشارع الفلسطيني سؤالًا جوهريًا: إلى أي حد يمكن للسلطة أن تواصل هذه السياسات دون أن تدفع ثمنًا سياسيًا واجتماعيًا باهظًا؟.





