وثيقة أمريكية تفضح حدة عداء محمد بن زايد لحركة حماس والمقاومة

كشفت وثائق دبلوماسية أمريكية مسرّبة، يعود تاريخها إلى عام 2007، عن عداء مبكر تبنّاه الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، تجاه حركة حماس وحركات المقاومة الفلسطينية في إطار رؤية أمنية وسياسية رأت في المقاومة تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي ولمعادلة النفوذ التي سعت أبوظبي لترسيخها.
وتظهر الوثيقة، الصادرة عن اجتماع أمريكي رفيع المستوى، بوضوح أن فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 مثّل نقطة تحوّل حاسمة في خطاب محمد بن زايد، إذ اعتبر هذا الفوز دليلًا على ما وصفه بـ”خطر الديمقراطية” في العالم العربي، وربط بين صناديق الاقتراع وصعود قوى إسلامية مقاومة لا تنسجم مع المصالح الأمريكية ولا مع الرؤية الأمنية الخليجية.
في هذا السياق، لم يُخفِ محمد بن زايد موقفه الصريح من حركة حماس، إذ قال بوضوح: “لا سلام مع حماس”، واضعًا الحركة في خانة واحدة مع إيران، ومتعاملًا معها ليس كفاعل سياسي فلسطيني منتخب، بل كخصم أمني يجب احتواؤه أو عزله، وهو انعكس لاحقًا في سياسات إقليمية متواصلة هدفت إلى محاصرة المقاومة سياسيًا وإعلاميًا وماليًا.
محمد بن زايد ويكيبيديا
عداء محمد بن زايد لحماس لم ينفصل عن عدائه الأوسع لفكرة “المقاومة” بوصفها، في نظره، امتدادًا للإسلام السياسي الذي رآه تهديدًا وجوديًا للأنظمة الحاكمة في المنطقة.
فقد اعتبر أن الجماهير العربية “تصوّت بالعاطفة”، وأن أي مسار ديمقراطي سيؤدي حتمًا إلى صعود حركات مثل حماس، وهو ما جعله يرفض الاعتراف بشرعية المقاومة المستمدة من الانتخابات أو من مواجهة الاحتلال.
وقد دفع هذا التصور الأمني الإمارات، وفق ما أظهرته السياسات اللاحقة، إلى الانخراط في محور إقليمي يعمل على تجفيف منابع دعم المقاومة، سواء عبر دعم قوى مناوئة لها، أو عبر الانخراط في حملات سياسية وإعلامية تصف المقاومة بالإرهاب، وتساوي بينها وبين الجماعات المتطرفة، في انسجام شبه كامل مع الرواية الإسرائيلية.
التطبيع الإماراتي الإسرائيلي
في قلب هذا المسار، برز الموقف الإماراتي المتحالف مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بوصفه الإطار الأوسع الذي يفسر هذا العداء.
فالوثيقة المسرّبة تظهر أن محمد بن زايد لم ينظر إلى دولة الاحتلال كعدو، حتى قبل الإعلان الرسمي عن التطبيع بسنوات طويلة. بل تحدث عن علاقات غير معلنة، وعن “تسامح ديني”، وعن استعداد للتواصل مع منظمات يهودية أمريكية، في وقت كانت فيه تل أبيب تخوض حروبًا متكررة ضد الفلسطينيين في غزة ولبنان.
ويظهر ذلك أن هذا التقارب مع دولة الاحتلال لم يكن منفصلًا عن الموقف الإماراتي من حماس، بل كان مكمّلًا له.
فإسرائيل ترى في حماس رأس حربة المقاومة الفلسطينية، وأي تحالف معها يستدعي بالضرورة تبني موقف معادٍ للحركة.
ومع توقيع اتفاقيات التطبيع لاحقًا، خرج هذا العداء من الغرف المغلقة إلى العلن، وأصبح جزءًا من خطاب سياسي وإعلامي رسمي يبرر السياسات الإسرائيلية ويهاجم المقاومة بذريعة “الاستقرار” و”مكافحة التطرف”.
وتكشف الوثيقة أيضًا أن محمد بن زايد كان يرى أن التعامل مع حماس والمقاومة لا يكون عبر حلول سياسية، بل عبر مسارات طويلة الأمد تهدف إلى تغيير “الثقافة” و”الوعي”، وهو ما يفسر الاستثمار الإماراتي الواسع في مشاريع إعلامية ومراكز أبحاث وحملات ناعمة تستهدف إعادة تعريف الصراع الفلسطيني، وتجريد المقاومة من شرعيتها، وتحويلها من حركة تحرر إلى عبء أمني.
كما يظهر عداء محمد بن زايد لحركة حماس وحركات المقاومة كخيار استراتيجي ثابت، بحيث ارتبط منذ وقت مبكر بالانحياز الكامل للرؤية الأمريكية–الإسرائيلية في المنطقة، وبالسعي إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية العربية بما يُقصي المقاومة ويعيد تعريف “العدو” و”الحليف” وفق منطق الأمن والتحالفات، لا وفق منطق التحرر وحقوق الشعوب.
وقد بات هذا العداء، الذي بدأ قبل سنوات طويلة في الغرف الدبلوماسية المغلقة، اليوم سياسة معلنة، تتقاطع فيها مصالح أبوظبي وتل أبيب، وتُدفع كلفته مباشرة على حساب القضية الفلسطينية ومقاومتها.





