ماجد فرج.. رجل الظل في هندسة التنسيق الأمني ومرحلة ما بعد عباس

يُعَدّ اللواء ماجد فرج، المدير السابق لجهاز المخابرات العامة وأحد أبرز المقربين من رئيس السلطة محمود عباس، من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في المشهد الفلسطيني.
فالرجل لم يكن مجرد مسؤول أمني، بل أحد أبرز أذرع مشروع التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث جسّد في مسيرته نموذج “الأمني البيروقراطي” الذي قدّم أولوياته الأمنية على أي اعتبارات وطنية أو سياسية.
اليوم، وبعد تقدمه في السنّ وخروجه من الواجهة الرسمية، لا يزال فرج يتحرك في الظل محاولًا هندسة وضع فلسطيني جديد يضمن له ولشبكته نفوذًا واسعًا في مرحلة ما بعد عباس.
من هو ماجد فرج؟
ولد ماجد فرج في مخيم الدهيشة للاجئين جنوب بيت لحم عام 1962، ونشأ في بيئة فقيرة مطبوعة بالاحتكاك المباشر مع الاحتلال.
وقد اعتُقل عدة مرات في شبابه لدى قوات الاحتلال، ما منحه لاحقًا “رصيدًا نضاليًا” استثمره للدخول إلى جهاز الأمن الفلسطيني بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.
ومع تأسيس السلطة الفلسطينية، تدرج فرج في الأجهزة الأمنية، واستطاع من خلال علاقاته القوية بمحمود عباس أن يتقدم بسرعة داخل الهرم الأمني.
في عام 2009، عُيّن رئيسًا لجهاز المخابرات العامة الفلسطينية خلفًا لتوفيق الطيراوي، ومنذ ذلك الوقت رسّخ صورته كأحد أقوى رجال السلطة وأكثرهم تأثيرًا على القرار الأمني والسياسي.
التنسيق الأمني.. جوهر مشروع ماجد فرج
منذ توليه قيادة المخابرات العامة، ارتبط اسم ماجد فرج مباشرة بملف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي. كان يفتخر في لقاءات صحفية ودبلوماسية بأنه أنقذ حياة مئات الإسرائيليين عبر إحباط عمليات فصائل المقاومة.
وقد نُسب إليه قوله في أكثر من مناسبة إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية “تنسق ليل نهار” مع الشاباك الإسرائيلي، في تأكيد واضح على أن هذا النهج يمثل بالنسبة له خيارًا استراتيجيًا لا مجرد التزام سياسي عابر.
وقد تحوّل فرج إلى رمز لسياسة قمع المقاومة في الضفة الغربية، حيث لعب جهازه دورًا محوريًا في ملاحقة خلايا حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، واعتقال مئات المقاومين، وتسليم معلومات حساسة للاحتلال.
وهو ما أثار نقمة واسعة بين الفلسطينيين الذين رأوا فيه أداة لإجهاض أي فعل مقاوم، وواجهة علنية لسياسات محمود عباس القائمة على محاربة المقاومة بدلًا من مواجهة الاحتلال.
مواقف مشينة ومثيرة للجدل
قمع المقاومة في الضفة: أشرف فرج على حملات أمنية مكثفة طالت المقاومين في جنين ونابلس والخليل، بالتوازي مع حملات اقتحام إسرائيلية. هذا التوازي عزز الاتهامات الموجهة إليه بأنه يعمل في خدمة أجندة الاحتلال.
تسويق السلطة في الخارج: لعب دورًا نشطًا في تقديم السلطة الفلسطينية كـ”شريك موثوق” للولايات المتحدة وإسرائيل في محاربة الإرهاب. كان دائم الحضور في اللقاءات الأمنية الأميركية والإسرائيلية، وأحد أكثر المسؤولين الفلسطينيين قربًا من الـ”CIA”.
الموقف من غزة: وقف فرج بقوة إلى جانب سياسة العقوبات التي فرضها عباس على قطاع غزة بعد أحداث الانقسام عام 2007، وسعى لإضعاف حماس عبر إجراءات أمنية واقتصادية خانقة.
دوره في اغتيال المعارضين: وثّقت منظمات حقوقية محلية أن جهاز المخابرات العامة في عهد فرج تورط في اعتقالات تعسفية وتعذيب، فضلًا عن شبهات تورط في قضايا تصفية أو تسهيل اغتيالات بحق نشطاء معارضين للسلطة.
رجل عباس المخلص
لم يكن فرج مجرد موظف في جهاز أمني، بل الذراع الأيمن لعباس، حيث أوكل إليه الرئيس ملفات حساسة داخلية وخارجية. ووفق تسريبات عديدة، فقد كان فرج قناة تواصل رئيسية بين السلطة والأميركيين والإسرائيليين، بل وحتى بعض العواصم العربية التي تدعم بقاء السلطة كجسم وظيفي يخدم “إدارة النزاع” مع الاحتلال.
هذه المكانة الاستثنائية جعلت فرج حاضرًا في الكواليس عند كل مفصل سياسي، بدءًا من مفاوضات التسوية وصولًا إلى ترتيبات المصالحة الداخلية، وإن كان دائمًا يميل إلى إحباط أي مسار يعزز المقاومة أو يضعف التنسيق الأمني.
ومع تقدم محمود عباس في العمر وتزايد الحديث عن مرحلة ما بعده، يتحرك ماجد فرج بهدوء لتعزيز نفوذه الشخصي. فرغم ابتعاده مؤخرًا عن الواجهة الرسمية، إلا أن شبكته الأمنية والاقتصادية لا تزال قائمة، وهو يستثمر علاقاته العميقة مع الأميركيين والإسرائيليين ليقدّم نفسه كـ”ضامن للاستقرار”.
وتكشف تسريبات من داخل السلطة أن فرج يحاول بناء تحالفات مع قيادات في حركة فتح وبعض رجال الأعمال، لتأمين موقع متقدم له في أي ترتيبات انتقالية. ويُنظر إليه كأحد المرشحين لخلافة عباس أو على الأقل كـ”صانع ملوك” قادر على التحكم بخيوط اللعبة عبر سيطرته على الملفات الأمنية.
وما يجعل مشروع فرج خطيرًا هو أنه يسعى إلى تثبيت معادلة الاستسلام الدائم: سلطة بلا سيادة، وأجهزة أمنية وظيفتها حماية الاحتلال من الشعب بدلًا من حماية الشعب من الاحتلال. هذه المعادلة إن استمرت، ستعني عمليًا تكريس نموذج “السلطة العميلة” كإطار دائم، بدلًا من أن تكون مرحلة انتقالية نحو التحرر الوطني.
وبالمحصلة فإن قراءة مسيرة ماجد فرج تكشف كيف تحوّل من أسير سابق إلى رجل تنسيق أمني بامتياز، وكيف جسّد فلسفة السلطة الفلسطينية التي فضّلت البقاء على حساب الكرامة الوطنية. اليوم، وهو يتحرك في الظل لرسم معالم مرحلة ما بعد عباس، يظل الخطر قائمًا في أن ينجح في فرض مشروعه: سلطة بلا مقاومة، وكيان وظيفي مرتهن لإسرائيل وأميركا.