دار أيتام في غزة بين نيران الحرب
لم تسلم حتى دار أيتام بارزة في غزة منذ عدوان الاحتلال الإسرائيلي في خضم حرب الإبادة الجماعية المستمرة على القطاع منذ أكثر من 15 شهرا.
ويرسم حازم العنزي، مدير دار أيتام “مبرة الرحمة”، صورة مأساوية لقطاع غزة. فالمواطنين ينامون في الخيام ويعيشون في خوف وجوع وهم يكافحون انتشار الأمراض والبرد القارس في الشتاء.
ومع عدم توفر الوقود والكهرباء، أصبح الوصول إلى خدمات الاتصالات والإنترنت صعبًا.
وقال العنزي: “لقد فقد آلاف الأطفال والنساء حياتهم ومنازلهم ومستشفياتهم. وهُدمت المدارس، ودُمرت الطرق، وأُجبر الناس على الفرار بحثًا عن الأمان من الموت”.
وأضاف أن “البيئة غير آمنة، والمياه ملوثة، والفوضى، وزيادة حوادث السرقة والقتل. يعيش أهل غزة في جحيم حقيقي – جحيم لا يطاق”.
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دُمر مقر دار أيتام مبرة الرحمة في غزة بعد قصف مسجد قريب، مما أجبر الأطفال على الخروج.
وبعد ذلك، اضطر الأطفال إلى الإخلاء عدة مرات من أجزاء مختلفة من غزة بسبب القصف الإسرائيلي. أولاً، انتقلوا إلى عدة مناطق في شمال غزة. وبعد خمسين يومًا من بدء الحرب، اضطروا إلى إخلاء الأطفال إلى الجنوب.
وقال العنزي إن “الرحلة كانت شديدة الخطورة، حيث اضطررنا للسير لمسافات طويلة وسط الخوف والقصف، ونحن نحمل الأطفال، وكثير منهم يعانون من إعاقات تمنعهم من المشي”.
وقد نزحوا عدة مرات عندما وصلوا إلى الجنوب واستقروا في النهاية في خيام في منطقة المواصي في خانيونس، وحُرم الأطفال من الرعاية الصحية والتغذية السليمة، مما أدى إلى وفاة طفل كان يعاني من حالات طبية خطيرة.
وقال “في كل مرة نضطر فيها إلى النزوح، نترك كل شيء خلفنا ونهرب للنجاة بحياتنا. ثم نضطر إلى شراء كل ما يحتاجه الأطفال من جديد، بما في ذلك الطعام والفراش والملابس والمستلزمات الأساسية”.
وتابع “بمساعدة بعض الأصدقاء الذين قدموا لنا المال، كنا نحاول دائمًا التخفيف من الصعوبات والمخاطر التي تواجه الأطفال، على أمل إنقاذهم من الموت. لقد نزحنا أكثر من 10 مرات متتالية بسبب عمليات الجيش الإسرائيلي”.
تأسست دار أيتام مبرة الرحمة عام 1993 بهدف تقديم الرعاية الشاملة للأطفال الذين فقدوا أسرهم وسط الظروف الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، حيث يتم وضع الأطفال الأصحاء في أسر حاضنة تتوفر فيها مجموعة من المعايير.
في حين يتم وضع الأطفال الذين يعانون من أمراض أو إعاقات في بيئة رعاية خاصة داخل دار الأيتام التي تتكون من سلسلة من الشقق السكنية، حيث تعيش كل مجموعة من خمسة أطفال من مختلف الأعمار تحت رعاية أم بديلة تساعد في تلبية احتياجاتهم العاطفية والاجتماعية.
وبحسب العنزي، كان يعيش داخل دار الأيتام 24 طفلاً، و212 طفلاً آخرين مع أسر حاضنة، لا تزال تحت إشراف الدار، وتتراوح أعمارهم بين ثلاثة أشهر و25 عاماً، ويعانون من أمراض ناجمة عن القصف، والاكتظاظ، وسوء التغذية، وتلوث المياه، والبرد الشديد، ونقص الرعاية الصحية اللازمة، مع عدم توفر العديد من الأدوية الأساسية.
وأضاف “نحاول دائما أن نسهل عليهم حياتهم وأن نكون بجانبهم ونواسيهم ونطمئنهم، ونعلمهم الرسم والغناء ونصمم لهم ألعابا متنوعة تشغلهم وتبعدهم عما يدور حولهم”.
ولقد اتسمت الحياة في قطاع غزة بالدمار والموت منذ سنوات طويلة بفعل عدوان الاحتلال الإسرائيلي، وتفاقمت بسبب الحصار الذي فرضته “إسرائيل” منذ عام 2006.
ومنذ ذلك الحين، ساهمت الاعتداءات المتكررة في أعوام 2008 و2012 و2014 و2016 و2021 في تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية والصحية في قطاع غزة.
وجاءت حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023 لتحول قطاع غزة إلى مكان غير صالح للعيش.
وقال العنزي إنه بمجرد بدء القصف والعدوان الإسرائيلي، لم يتمكن سوى عدد قليل من الموظفين من الوصول إلى دار الأيتام، في حين ساعد الباقون عائلاتهم على الإخلاء والهروب. أما الموظفون الذين تمكنوا من الوصول إلى دار الأيتام فقد أحضروا عائلاتهم ليكونوا بالقرب منهم أثناء قيامهم بواجبهم الإنساني.
وأضاف “كان الهدف هو حماية الأطفال وإنقاذهم من الموت مع محاولة تهدئتهم. لقد قدموا لهم الطعام والدواء ولوازم النظافة الضرورية وأشركوهم في أنشطة مختلفة لتعزيز قدرتهم على الصمود والتكيف مع أهوال الصراع”.
وتستمر الحرب في غزة منذ أكثر من 15 شهرًا. وفي حين لم تتمكن إدارة دار الأيتام من توفير رواتب لموظفيها، لا يزال الموظفون يؤدون واجباتهم في رعاية هؤلاء الأطفال.