هآرتس: إسرائيل بعد عامين من حرب الإبادة في غزة بلا حلول استراتيجية

بعد أكثر من شهر على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي أنهى ظاهريًا حرب الإبادة المستمرة منذ عامين، يبدو أن المشهد الإسرائيلي بلا حلول استراتيجية ولم يشهد تغييرات جوهرية.
وأكد المعلّق العسكري في صحيفة هآرتس العبرية، عاموس هارئيل، أن ما تسميه الحكومة الإسرائيلية النجاحات العسكرية على مختلف الجبهات لم تُترجم إلى تسويات سياسية ملزمة، وظلت معظم مشكلاتها الاستراتيجية على حالها.
وأبرز هارئيل أنه بينما تتباهى دولة الاحتلال بأسلحتها وتقنياتها العسكرية، فإن هذا التفوق لا يعكس قدرة على معالجة القضايا الجوهرية التي تهدد أمنها على المدى الطويل.
عدم يقين إسرائيلي مستمر
يكشف هارئيل عن مشهد مضطرب يتميز بعدم اليقين العميق، مرتبط بعدة عوامل مترابطة: أولاً، الطريقة المتقلّبة والمليئة بالتناقضات التي تُدار بها السياسة الخارجية الأميركية، والتي تؤثر مباشرة على استقرار أي تسوية سياسية، خاصة في ظل إدارة ترامب التي تركز على المصالح الأميركية قبل أي اعتبار للواقع الإقليمي.
ثانيًا، القيود السياسية التي يواجهها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وخوفه الدائم من أن يُنظر إلى أي تنازل على أنه ضعف أمام اليمين الإسرائيلي، ما يزيد من تعقيد أي تفاوض أو حلول طويلة الأمد. كل هذه العوامل تجعل التوقعات بشأن أي انفراجة سياسية ضبابية، وتزيد من صعوبة ترجمة الانتصارات العسكرية إلى مكاسب دائمة.
والأمر الأكثر وضوحًا هو التراجع الملحوظ في التأثير الإسرائيلي على السياسة الأميركية في المنطقة، على الرغم من تاريخ العلاقة القوي بين الطرفين.
بموازاة ذلك فإن القوة الدولية، كما يصفها هارئيل، ما زالت لغزًا، وفي غياب تقدم ملموس على الأرض، يتم تصوير المقر الأميركي في “كريات غات” باعتباره مركز القرار، بينما الواقع يؤكد أن الأميركيين هم من يحددون مسار الأحداث، مع صعوبة واضحة في صياغة ترتيبات تطبيقية على قطاع غزة.
ويعكس هذا الموقف عدم قدرة الحكومة الإسرائيلية على إدارة السياسة الخارجية بمفردها، ويؤكد اعتمادها شبه الكامل على الدعم الأميركي لتثبيت أي تسوية.
من جهة أخرى، يظل الوضع الإنساني في غزة عاملاً معقدًا يؤثر على المشهد الاستراتيجي والسياسي.
فما يُسمى “صندوق المساعدات لغزة”، الذي صُمم لتوزيع الغذاء والمساعدات الأساسية، لم يحقق أهدافه المرجوة، خصوصًا بعد وقوع عمليات قتل جماعية بالقرب من المواقع اللوجستية للصندوق.
ويعكس هذا الفشل ضعف التنسيق بين الأطراف الإسرائيلية والدولية، ويزيد من الضغط على الإدارة الإسرائيلية الأميركية المشتركة، حيث تصبح السياسة العسكرية محكومة بالقدرة على إدارة الأزمات الإنسانية وليس فقط الإنجازات العسكرية.
ويضع هذا الواقع دولة الاحتلال أمام مأزق مزدوج: من جهة، التفوق العسكري يبدو واضحًا ويخضع للاحتفاء الإعلامي والسياسي، ومن جهة أخرى، الفشل في تحقيق تسوية سياسية أو استقرار استراتيجي يجعل كل الانتصارات مؤقتة ومقيدة بالإطار الأميركي.
وفي الوقت الذي تستعرض فيه دولة الاحتلال قوتها العسكرية، تظل قدرتها على تحويل ذلك إلى نفوذ سياسي فعلي محدودًا، ما يعكس هشاشة الاستراتيجيات التي تعتمدها على المدى الطويل.
وعليه فإن ا بعد حرب غزة ليس فترة راحة لإسرائيل، بل مرحلة حرجة أكثر تعقيدًا من الحرب نفسها، حيث التفوق العسكري لا يكفي لضمان استقرار طويل الأمد، والصراعات الداخلية والخارجية، إلى جانب اعتمادها شبه الكلي على الدعم الأميركي، يجعل تل أبيب عرضة لمشكلات استراتيجية مستمرة، سواء على صعيد الأمن الداخلي، أو في إدارة العلاقات الإقليمية، أو في التعامل مع الواقع الإنساني والسياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.





