الحاضنة الشعبية كلمة السر التي لا تُهزم معها مقاومة غزة
على مدار أكثر من 15 شهرا من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ركز الاحتلال على هدف رئيسي لهزيمة المقاومة في غزة بسلخها عن الحاضنة الشعبية وهو ما سجل فشلا ذريعا إضافيا فيه.
إذ سرعان ما جاء الرد من الحشد الشعبي الهائل على ميدان فلسطين وسط مدينة غزة بالالتفاف حول المقاومين والهتاف لهم خلال عملية تسليم أول 3 أسيرات إسرائيلية في إطار اتفاق وقف إطلاق النار.
ولم يكن غريبا في أول خطاب للناطق العسكري باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار أن يتصدره الرسالة الأهم من المقاومة لأهل غزة: سلام عليكم بما صبرتم.
وقال أبو عبيدة في الخطاب “يا أبناء غزة لقد فتحتم في كل بيت لأمتنا وللعالم كتابًا مشاهدًا في العظمة والفداء، في البطولات الأسطورية، يغني هذا الكتاب عن ملايين الكتب، وتصغر أمامه كل النياشين والمفاخر والأمجاد”.
وليس بعيدا اختارت كتائب القسام اختتام أول مقطع فيديو تنشره عن أول عملية تبادل للأسرى بعد تسليم الأسيرات الثلاث إلى الصليب الأحمر بعبارة أحد مقاتليها مخاطبا الحشود: “لولا صمودكم في شمال غزة لما انتصرت المقاومة”.
التحام المقاومة بالحاضنة الشعبية
وقد أبرزت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية مشهد التحام المقاومة بالحاضنة الشعبية بالقول إن “كتائب القسام استعرضت قوتها أمام الكاميرات، واحتشد حولهم آلاف السكان من غزة دعما ومساندة”.
ويعلق المحلل السياسي عمر عساف، بأن اليوم الأول من وقف إطلاق النار “ثبت عدة معادلات، أولها أن للمقاومة الفلسطينية اليد العليا قبل وبعد الطوفان (7 أكتوبر 2023) لأن من ادعى أنه يسعى لتدمير المقاومة والقضاء عليها لم يستطع فعل شيء مما يقول”.
وأضاف عساف، أن المعادلة الثانية “تولد شعور لدى أبناء الشعب الفلسطيني بأن المقاومة قد أثبتت حضورها، وأفشلت كل ما يسعى له الاحتلال (الإسرائيلي)، وبالتالي ازداد التفافه حولها في مشهد يخلق اهتزازا لدى كيان الاحتلال”.
علاقة اللحم بالعظم
علق الكاتب المصري وائل قنديل بأن رسالة غزة مقاومة وحاضنة شعبية طغت ببسالة على اليوم الأول لوقف إطلاق النار بأن “طوفان الأقصى” إحدى معارك غزة، ومعركة كلها إحدى معارك فلسطين، والطريق طويل لا يتوقف إلا باكتمال حلم التحرير.
وقال قنديل “بدت غزة كلها مقاومة، إذ تغني الشوارع والساحات فرحاً بظهور المقاومين، تهتف للشهداء وتجدد العهد والوفاء للقسام ولكل فصيل مقاوم، هذا شعب يعطينا كل يوم، بل كل دقيقة، درساً في الاستبسال ضد العدم، يعلمنا لغة الشجر والطير، يعلمنا معنى الفرح بالحياة، ومعنى الحياة بكرامة”.
في الشهر الثاني من المعركة، كان العارفون بطبيعة الإنسان الفلسطيني على يقينٍ بأن هذه الحرب سوف تتوقف، مهما طال الوقت أو قصر، وسينتهي العدوان الأكثر همجية ونازية في التاريخ، وسيعود الضحايا إلى أطلال بيوتهم المدمرة بفعل القصف الإسرائيلي، لكن شيئاً واحداً لا يمكن أن يعود، وهو الوضع الفلسطيني قبل 7 أكتوبر(2023).
إن الثابت اليوم أن “طوفان الأقصى”، كما يتبدى من خطاب المقاومة الفلسطينية، وكما في وجوه الشعب الصامد في غزة هو معركة على طريق الحلم الأكبر والهدف الأسمى، معركة التحرير، والكفاح من أجل استعادة الأرض والتخلص من احتلال هو الأكثر خسةً وبشاعةً في التاريخ.
وفي مواكب الفرح الغزي كان أطفالٌ بعمر الزهور، سوف يكبرون بأسرع مما يكبر أقرانهم في جغرافيا أخرى، ليكونوا القادة وليحملوا الشعلة، كما حملها الشهداء الذين تغنوا وهتفوا بأسمائهم وهم يزرعون الفرحة في ركام المنازل المهدمة فتطرح مبكراً قبل الأوان، لكنها في قمة النضج.
وبحسب قنديل فإن هؤلاء هم الترسانة الأقوى من كل أساطيل الأعداء، هؤلاء هم طرح هذه الأرض التي لا تنبت إلا الأبطال، يحتفلون بغزة وعينهم على الضفة، وقلوبهم صوب القدس والأقصى، موقنين بأن معارك أخرى سوف تأتي، وسوف ينتصرون.
وختم “في كل مرة يقول لنا الفلسطيني في غزة، من الطفل إلى الشيخ، إن علاقته بالمقاومة كعلاقة اللحم بالعظم، لذا لم يكن مشهداً مفتعلاً أو مصنوعاً أن يهتف الصغار والكبار في صوت واحد لكتائب عز الدين القسام، مرددين أن كلهم محمد الضيف ويحيى السنوار وإسماعيل هنية، وقائمة طويلة من الشهداء الأوفياء لفلسطين”.