دعوات لحراك شعبي ضد تغوّل السلطة بقطع رواتب الأسرى والمحررين

تصاعدت في الضفة الغربية دعوات لحراك شعبي واسع ضد تغوّل السلطة الفلسطينية بقطع رواتب آلاف الأسرى والمحررين، في خطوة وُصفت بأنها “تنفيذ مباشر لإملاءات إسرائيلية وأمريكية”، و”انقلاب أخلاقي على القيم الوطنية”، فيما تزداد المطالبات بتنفيذ إضرابات عامة واعتصامات مفتوحة للضغط على السلطة للتراجع عن هذا القرار المجحف.
القرار، الذي طال حتى الآن أكثر من 3000 أسير ومحرر وعائلة شهيد، قوبل بإدانة واسعة واتهامات مباشرة للقيادة الفلسطينية بأنها باتت تنفذ تعليمات الاحتلال وتتصرف كأداة لتجفيف منابع الصمود الفلسطيني، تحت ذريعة “إعادة هيكلة النفقات” و”التوصيات الأمنية”.
قرار مخزٍ ومذل.. والرد يجب أن يكون شعبياً
أكد الناشط السياسي فايز سويطي أن ما تقوم به السلطة من إجراءات بحق الأسرى والمحررين يشكّل “وصمة عار وطنية”، مشدداً على أن “لولا تضحيات الأسرى لما جلس أي مسؤول فلسطيني على كرسيه أو في موقعه”.
وقال سويطي في منشور عبر حسابه على فيسبوك: “كيف نتضامن وندعم الأسرى إذا كانت السلطة نفسها تعتدي على حقوقهم؟ قطع رواتبهم تجاوز لكل الخطوط الحمراء، وهو قرار مخزٍ ومذل ولا يمكن تفسيره إلا كاستجابة لأوامر مشغلي السلطة من الاحتلال وأعوانه”.
وطالب سويطي بتنظيم اعتصامات مفتوحة في كافة المحافظات العشر في الضفة الغربية أمام مقرات هيئة شؤون الأسرى أو نادي الأسير، داعياً أهالي الأسرى والمحررين إلى النزول إلى الشارع لمواجهة هذا القرار الذي “يسعى إلى طمس الدور النضالي للأسير وتحويله إلى مجرد ملف معونات”.
وأضاف سويطي: “لو شارك ثلاثة أشخاص فقط من كل عائلة أسير، يمكن حشد نحو تسعة آلاف معتصم، وإذا انضم إليهم ألف من مناصريهم، فسنصل إلى عشرة آلاف متظاهر موزعين على كافة محافظات الضفة.. وهذا رقم قادر على قلب الطاولة”.
حملة منهجية لإضعاف الحركة الأسيرة
القرارات الأخيرة بقطع رواتب الأسرى جاءت بالتزامن مع إجراءات مهينة تمارسها مؤسسة “تمكين” الاقتصادية، التي يترأسها أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حيث شكا عدد من الأسرى المحررين من شروط مذلّة للحصول على ما تبقى من حقوقهم، تتضمن مقابلات أمنية واستجوابات وإجراءات بيروقراطية معطِّلة تُشعرهم وكأنهم متهمون لا مناضلون.
ووفق مصادر مطّلعة، فإن عملية قطع الرواتب شملت حتى الآن 1612 أسيراً ما زالوا في سجون الاحتلال، وتم تنفيذها وفق “توصيات أمنية”، بينما تؤكد جهات حقوقية أن العدد الإجمالي للمحرومين من الرواتب خلال السنوات الأخيرة تجاوز 3000 حالة، تشمل أسر شهداء وأسرى محررين.
ترجمة لإملاءات خارجية وتنسيق أمني
تتفق معظم التقديرات الفلسطينية المستقلة على أن هذه القرارات تأتي في إطار استجابة لضغوط إسرائيلية وأمريكية لوقف “تمويل الإرهاب” حسب تعبير الاحتلال، الذي يضغط منذ سنوات لوقف الرواتب التي تُدفع لعائلات الشهداء والأسرى والمحررين.
ويرى محللون أن السلطة، وبدلاً من التصدّي لهذا الابتزاز، اختارت الالتفاف عليه، إما عبر تقليص المخصصات تدريجياً، أو عبر إخضاعها لشروط مذلّة، بحيث يتم تحويل الأسرى من رموز نضال إلى عبء مالي يخضع لمعايير “الجدارة” و”الاستحقاق”، وفق رؤية اقتصادية تحاكي نموذج المعونات الغربية لا التضحيات الوطنية.
تمكين: مؤسسة إذلال بدل التمكين
في السياق ذاته، تتعرض مؤسسة “تمكين” لانتقادات متزايدة، حيث أصبحت واجهة لسياسات الإقصاء المالي والمعنوي للأسرى المحررين، عبر فرض شروط غير مبررة لتقديم أي دعم لهم، تتضمن نماذج “دراسة حالة”، وطلبات تعبئة ملفات طويلة، وعمليات مراجعة تُشعر المحرر وكأنه سائل لا مناضل.
ويقول أحد الأسرى المحررين الذين قُطع راتبه مؤخراً: “ذهبت إلى تمكين فقالوا لي: يجب تعبئة نموذج جديد، وتقديم إثبات أنك لست موظفاً أو تتلقى دخلاً من أي جهة أخرى. شعرت بالإهانة. أنا قضيت 14 عاماً في سجون الاحتلال، والآن أُعامل وكأني عاطل عن العمل لا كمناضل دفع زهرة عمره من أجل الوطن”.
غضب شعبي وخطوات تصعيدية مرتقبة
تتصاعد الدعوات على منصات التواصل الاجتماعي، وفي أوساط النشطاء ولجان المقاومة الشعبية، للتحرك العاجل من أجل وقف هذا الانحدار الخطير.
ويرى كثيرون أن المعركة مع الاحتلال لم تعد على الحواجز أو في المعتقلات فقط، بل أيضاً في معركة الكرامة داخل مؤسسات السلطة نفسها.
ويتساءل أحد النشطاء في رام الله: “إذا كانت السلطة تعاقب الأسرى وتقطع أرزاقهم لإرضاء الاحتلال، فماذا بقي من مشروعها الوطني؟ هل تحول النضال إلى جريمة؟ وهل باتت الحرية تهمة تستحق العقوبة؟”
نحو انتفاضة كرامة؟
بينما يستعد أهالي الأسرى لتنظيم وقفات احتجاجية واعتصامات، تبدو الضفة على أبواب تصعيد اجتماعي – سياسي واسع، قد يتجاوز حدود ملف الرواتب ليطرح سؤالاً أكبر: من يحكم؟ ولمصلحة من تُدار هذه السلطة؟ وهل من الممكن أن تستمر في تجاهل قواعدها الشعبية لصالح أوامر تأتي من تل أبيب أو واشنطن؟
يختم سويطي منشوره بدعوة واضحة: “آن الأوان لرد شعبي كاسح، يجبر من يظن أن الكرسي أهم من الشهداء على مغادرته. قضية الأسرى ليست قابلة للمساومة، ومن يتخاذل عنها لن يجد مأوى حين تغضب الجماهير”.
وبينما لا تزال السلطة تصر على موقفها، تتسع الهوة بينها وبين الشارع، ومع كل راتب يُقطع، تتآكل شرعيتها أكثر، وتصبح أقرب إلى سلطة تنفذ تعليمات المحتل منها إلى قيادة وطنية تدافع عن شعبها.