انتخابات عباس: ديمقراطية مُعلّبة بشروط الإقصاء

في لحظة سياسية مشحونة، أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن استعداده لإجراء انتخابات عامة، لكن بشرط واضح: “لن يُسمح بالمشاركة فيها إلا لمن يلتزم ببرنامج منظمة التحرير، والشرعية الدولية، ومبدأ الدولة الواحدة والقانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد”.
هذا الإعلان، بدلاً من أن يفتح الباب لاستعادة المسار الديمقراطي الفلسطيني، أثار موجة انتقادات واسعة من محللين وفصائل فلسطينية اعتبرته وصفة لإعادة إنتاج ذات النظام السياسي وإقصاء فصائل بعينها، وعلى رأسها حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
المحلل السياسي هاني المصري يرى أن إعلان عباس ليس سوى “مناورة شكلية” هدفها امتصاص الضغط الدولي، مع الاحتفاظ بسيطرة فتح على مفاصل السلطة.
ويضيف المصري في تصريح: “الشرط المتعلق بالالتزام ببرنامج المنظمة والشرعية الدولية تكرار لصيغة أوسلو، التي ترفضها قوى كبيرة، ويستخدم اليوم كأداة إقصاء”.
الكاتب طلال عوكل فيعتبر أن الطرح بحد ذاته “يؤكد غياب النية السياسية لإشراك الكل الفلسطيني”، مشيرًا إلى أن مثل هذه التصريحات تزرع الشك بدل الثقة، وتقلل من فرص الوصول لعملية انتخابية نزيهة.
وفي ردود الفعل، سارعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى إعلان رفضها، مؤكدة أن القرار يتجاهل التوافق الوطني ويكرس التفرد.
فيما قالت الجبهة الديمقراطية إن الشرط الذي طرحه عباس “يعني عمليًا حصر المشاركة في فصيل واحد أو من يوافقه سياسيًا”، ما يفرغ الانتخابات من مضمونها.
أما حركة حماس، فسبق أن وصفت دعوة عباس بأنها “تكريس للانقسام وإقصاء متعمد”، محذرة من أن أي انتخابات يجب أن تكون ثمرة توافق وطني شامل.
وليست هذه المرة الأولى التي يلوّح فيها عباس بإجراء انتخابات. فقد أعلن سابقًا عن انتخابات تشريعية في عام 2021، ثم ألغاها بحجة منع الاحتلال إجراءها في القدس. ومنذ ذلك الحين، لم يتم التقدم بخطوات ملموسة.
وخلال سنوات مضت، تكررت دعوات الفصائل إلى إعادة بناء منظمة التحرير وتحديث مؤسساتها عبر انتخابات حقيقية، لكن دون استجابة حقيقية من قيادة السلطة الرسمية.
وفي خضم هذه التعقيدات، تُطرح تساؤلات جوهرية حول نوايا السلطة من وراء الانتخابات. فهل تسعى فعلًا لتجديد الشرعيات وتمكين الشعب من اختيار قياداته؟ أم أن الطرح يهدف لتلميع صورة النظام أمام المجتمع الدولي دون إحداث أي تغيير حقيقي؟
يرى البعض أن طرح الانتخابات المشروطة ما هو إلا محاولة لإعادة “شرعنة” الوضع القائم، وقطع الطريق أمام أي بدائل سياسية.
الانتخابات حق أصيل للشعب الفلسطيني، لكنها لن تُجدي نفعًا إن جاءت مشروطة ومُصمّمة لإقصاء خصوم سياسيين أو تثبيت السلطة بغطاء انتخابي.
وبين من يراها خطوة مطلوبة ومن يعتبرها تكريسًا للواقع، تبقى الحاجة ملحة إلى حوار وطني شامل، يعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس التعددية والعدالة والتكافؤ.