هشام حرب… نموذج جديد لنهج السلطة في تجريم النضال الفلسطيني

تشهد الساحة الفلسطينية حالة من الغليان الشعبي والسياسي على خلفية التطورات المتعلقة بقضية العميد المتقاعد محمود العدرة، المعروف باسمه الحركي هشام حرب، والتي تحاول السلطة الفلسطينية — عبر مذكرة “إنتربول” — الدفع باتجاه تسليمه إلى فرنسا لمحاكمته بتهمة تتعلق بعملية نُسبت له قبل أربعة عقود.
ورغم الطابع القانوني الذي تحاول السلطة إضفاءه على المسألة، إلا أن مجمل المعطيات تشير إلى أن القضية تتجاوز البعد القضائي الضيق، لتتحول إلى ملف سياسي بامتياز يُجسد نهجاً متصاعداً في تجريم النضال الفلسطيني والانسجام المتزايد مع متطلبات “التنسيق الأمني”.
وقد أكد محامي حرب، محمد الهريني، أن تسليم العميد المتقاعد لفرنسا أمر غير ممكن قانونياً، وأن الشق السياسي في القضية لا يمكن أن يجد له مكاناً في القضاء الفلسطيني.
إذ الاتهام الموجّه إلى حرب — وفق مختصين قانونيين — سقط بالتقادم منذ سنوات طويلة، كما لا توجد أي اتفاقية نافذة تسمح للسلطة بتسليم مناضل فلسطيني لدولة أجنبية لمحاكمته على عمل نضالي نفذ في إطار منظمة التحرير.
إلا أن السلطة — كما يقول مراقبون — تتعمد توسيع الهامش السياسي على حساب القانون، وتسعى إلى تنفيذ رغبات أطراف خارجية، وخصوصاً فرنسا التي قدمت مذكرة الاسترداد بالتزامن مع إعلان اعترافها “الرمزي” بدولة فلسطين.
وقد دفع هذا التزامن كثيرين للتساؤل: هل يأتي الضغط الفرنسي في إطار “مقايضة سياسية”، أو محاولة لإظهار السلطة كشريك مسؤول في “مكافحة الإرهاب” حسب الخطاب الغربي؟.
من هو هشام حرب ؟
تتهم السلطات الفرنسية هشام حرب (مواليد 1955) بأنه أشرف على المجموعة المسؤولة عن هجوم على مطعم يهودي في شارع روزييه في باريس عام 1982 ما أسفر في حينه عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 22 آخرين، ونسب حينها لمنظمة أبو نضال المنشقة عن حركة فتح.
وقد أعلنت النيابة العامة الفرنسية لقضايا الإرهاب عن توقيف هشام حرب في الضفة الغربية على يد أجهزة السلطة الفلسطينية على أن يتم تسليمه لاحقا إلى باريس لمحاكمته.
ووصف الكاتب والمحلل السياسي هشام شرباتي مخطط تسليم حرب بأنه تجريم صريح لكل تاريخ النضال الفلسطيني، ومحاولة لشطبه بجرة قلم.
وشدد شرباتي على أن احتمال تسليم مناضل فلسطيني لفرنسا لمحاكمته على عملية نفذتها حركة فتح في إطار نضالها ضد الاحتلال، يعني — عملياً — أن السلطة تتبنى الرواية الغربية والإسرائيلية التي تساوي بين النضال المشروع والإرهاب.
وأبرز أن الخطوة لا تمثل فقط مخالفة قانونية، بل تشكل سابقة خطيرة تقوّض مبادئ ميثاق منظمة التحرير ومرجعيات الحركة الوطنية. فحرب لم يكن “خارجاً عن القانون”، بل كان جزءاً من بنية النضال الفلسطيني الذي صنعت عبره منظمة التحرير مكانتها الدولية. وبالتالي فإن تسليمه — وهو رجل في السبعين يعاني أمراضاً خطيرة — سيكون رسالة تحدٍّ للهوية الوطنية ونفيًا لمسار التحرر الذي تشكّل عبر تضحيات آلاف المناضلين.
يأتي ذلك فيما تزيد المعطيات التي قدمتها عائلة حرب من حالة الغضب الشعبي، كونه يعاني من سرطان المثانة، بالإضافة إلى مشكلات خطيرة في القلب وانخفاض حاد في المناعة، وقد أنهى علاجًا كيميائيًا قبل عدة أشهر ومن المفترض أن يبدأ علاجًا إشعاعياً خلال أسابيع.
وعليه فإن احتجاز حرب في مركز توقيف غير مجهز طبياً يشكل خطرًا على حياته، ما يجعل استمرار اعتقاله — فضلاً عن محاولة تسليمه — خطوة غير إنسانية.
وبينما يُفترض أن يكون هذا البعد الإنساني لحالة حرب في صدارة الأولويات، فإن السلطة — بحسب عائلته — تتعامل معه بمنطق سياسي ضيق، وكأنها تحاول إثبات قدرتها على “التجاوب” مع الطلبات الدولية، بغض النظر عن كلفة ذلك على الإنسان الفلسطيني.
تكريس دور السلطة كأداة أمنية
تكشف القضية بشكل صارخ المسار الذي تنزلق إليه السلطة الفلسطينية منذ سنوات، والقائم على تحويل الجهاز القضائي والأمني إلى أداة لتنفيذ متطلبات التنسيق الأمني وإرضاء القوى الدولية. فبدلاً من حماية رموز النضال التاريخي، تتحول السلطة إلى جهة تلاحقهم باسم القانون الدولي، فيما تعجز عن حماية شعبها من اعتداءات الاحتلال اليومية.
ويبرز هنا أن هذا النهج لم يبدأ مع هشام حرب، بل سبقه حالات اعتقال لمطاردين ومقاتلين وإجراءات عقابية ضد ناشطين، تؤسس جميعها لسياسة تعتبر أن “النضال المسلح” أو “التاريخ الثوري” أصبح عبئاً على السلطة، لا جزءاً من هويتها.
في المقابل فإن الموقف العام في الشارع الفلسطيني — بما في ذلك فعاليات شعبية وشخصيات وطنية وحركات المقاومة — يؤكد على الرفض الواسع لفكرة تسليم حرب وأن الخطوة تمثل تجاوزاً للأعراف الوطنية وانحرافاً عن إرث منظمة التحرير.
كما يربط كثيرون بين هذا المسار وبين محاولة السلطة إعادة التموضع أمام الغرب في ضوء التحولات السياسية الأخيرة، بما في ذلك المباحثات حول “إصلاح السلطة” و”إعادة الهيكلة الأمنية”.
واللافت أن موجة الاعتراض لم تأت فقط من المعسكرات المعارضة تقليدياً للسلطة، بل ظهرت أيضاً من شخصيات مستقلة وأكاديميين ومناضلين سابقين، الذين اعتبروا أن القضية تمثل خطاً أحمر وطنياً لا يجوز تجاوزه، لأنها تتعلق بجوهر الشرعية النضالية للشعب الفلسطيني.
ويحذر مراقبون من أن قضية هشام حرب ليست ملفاً قانونياً بحتاً، بل هي مرآة لطبيعة الدور الذي تسعى السلطة إلى ترسيخه: دور يقوم على تجريم النضال الفلسطيني، واستبدال المرجعيات الوطنية بمنطق التنسيق الأمني ومراعاة الضغوط الدولية وبالتالي فتح الباب أمام صراع عميق حول هوية المشروع الوطني وحدود شرعية مؤسساته.





