نضال أبو دخان: رجل الأمن العدو للمقاومة… وعائلته في قلب فضائح السلطة

على مدى أكثر من عقد، ظل اللواء نضال أبو دخان أحد الوجوه البارزة في المؤسسة الأمنية للسلطة الفلسطينية، شخصية ظلت حاضرة في كل تفاصيل الملاحقات الأمنية في الضفة الغربية، ومحوراً للجدل بين من يراه ضابطاً مهنياً بلا طموح سياسي، ومن يعتبره واحداً من أدوات السلطة لإحكام القبضة على الحراك المقاوم في الداخل الفلسطيني.
لكن أضواء الفضائح التي طالت عائلته مؤخراً، والأخبار عن عزله المفاجئ من منصبه ثم وضعه قيد الإقامة الجبرية، أعادت اسمه إلى صدارة المشهد، لتفتح باب الأسئلة واسعاً حول دوره وأدوار الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والعلاقة الملتبسة بينها وبين مشروع المقاومة، بل وأيضاً حول تماسك القيادة الفلسطينية في مرحلة غارقة بالأزمات.
جذور الرجل… من الجزائر إلى المقاطعة
وُلد نضال أبو دخان عام 1968 في ولاية تبسة الجزائرية، لعائلة فلسطينية هجّرها الاحتلال من حيفا عام 1948 واستقرت لاحقاً في قرية فقوعة قرب جنين. تلقى تعليمه العسكري في كلية شرشال بالجزائر، وعاد إلى الضفة بعد اتفاق أوسلو ليبدأ مساره الأمني في السلطة الفلسطينية.
خاض أبو دخان سلسلة من الدورات الأمنية المتقدمة في دول كأميركا وفرنسا وسويسرا، شملت تخصصات مثل حماية الشخصيات ومكافحة الإرهاب والتدخل السريع.
هذه الخبرة أهّلته سريعاً للصعود في أجهزة السلطة الأمنية، متقلّباً بين الأمن الوقائي والحرس الرئاسي، ثم الاستخبارات العسكرية، وصولاً إلى قيادة قوات الأمن الوطني منذ نهاية 2011 وحتى إحالته المفاجئة إلى التقاعد في مارس 2025.
الرهان الأمريكي… وضابط المهمات القذرة
صعود أبو دخان كان جزءاً من مشروع أميركي لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية بعد مفاوضات أنابوليس، إذ أراد الأميركيون “وجوهاً جديدة” غير مرتبطة بتاريخ ياسر عرفات أو بماضي الانتفاضة، وقادرة على فرض الأمن وفق الرؤية الأميركية.
ومن هنا، مُنح أبو دخان مسؤوليات حساسة، فتولى قيادة الاستخبارات العسكرية، ثم قفز إلى قيادة قوات الأمن الوطني، ليكون واجهة العمليات الأمنية التي استهدفت كوادر المقاومة، خصوصاً حماس.
بحسب تقارير حقوقية، تزامن عمل أبو دخان في الاستخبارات العسكرية مع تصاعد غير مسبوق في الاعتقالات السياسية والتعذيب داخل سجون السلطة.
وثّقت هيومن رايتس ووتش عام 2010 أكثر من 200 حالة تعذيب، واتهمت تقارير حقوقية أبو دخان بالمشاركة في سياسة الاعتقالات التعسفية التي وصلت إلى وفيات تحت التعذيب.
قوات الأمن الوطني: بندقية موجّهة للداخل
تحت قيادة أبو دخان، أصبحت قوات الأمن الوطني القوة الأكبر عدداً وتسليحاً بين أجهزة السلطة، وتلقّت تدريبات خاصة في الأردن بإشراف خبراء غربيين.
كان الرجل يرى في هذه القوات “أداة لحفظ النظام”، لكن تجارب الضفة كشفت عن وجه آخر: مواجهات دامية مع مجموعات مسلحة في مخيمات مثل بلاطة ونابلس، حيث تحوّلت عمليات “فرض القانون” إلى حرب أهلية مصغرة أوقعت قتلى من المدنيين والعناصر الأمنية على حد سواء.
أحد أكثر الملفات السوداء في سجل أبو دخان كان حادث مقتل أحمد حلاوة (أبو العز)، أحد كوادر فتح في نابلس، الذي قضى ضرباً داخل سجون السلطة بعد اعتقاله عام 2016. وبينما قالت السلطة إنه مسؤول عن هجوم أودى بحياة أفراد من الأمن الوطني، اتهمت عائلة حلاوة اللواء أبو دخان مباشرة بالمسؤولية عن تصفيته.
حروب الأجهزة… وخدمة مشاريع الاحتلال
لم يكن نشاط قوات الأمن الوطني منفصلاً عن سياق سياسي أكبر. ففي السنوات الأخيرة، تصاعدت العمليات الأمنية ضد مخيمات الضفة تحت عنوان محاربة “الفلتان الأمني”، لكن كثيرين رأوا في تلك الحملات جزءاً من الدور الأمني للسلطة في التنسيق مع الاحتلال لقمع أي ظواهر مقاومة.
آخر تجليات هذا التنسيق ظهر في الحملة الأمنية الواسعة على مخيم جنين أواخر 2024، قبيل اجتياح جيش الاحتلال للمدينة.
وقد شاركت قوات أبو دخان في عمليات قاسية، تخللها استخدام المصفحات والقذائف، وفرض حصار خانق على السكان، وهي حملة وُصفت بأنها الأعنف ضد المقاومة في الضفة منذ سنوات.
دور إقليمي وعلاقات دولية
لا يقتصر نفوذ أبو دخان على الساحة الداخلية، فقد لعب أدواراً إقليمية، أبرزها عام 2015 حين ترأس وفداً أمنياً إلى لبنان لضبط أوضاع المخيمات الفلسطينية، في محاولة للسيطرة على تشكيلات المقاومة هناك وربطها بغرف عمليات رام الله.
علاقاته الدولية كانت واسعة أيضاً. ففي 2017 منحه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند “وسام الشرف الفرنسي من الدرجة الأولى”، تكريماً لدوره في التعاون الأمني.
كما كانت تربطه علاقات وثيقة بالمنسقين الأمنيين الأميركيين الذين أشرفوا على هندسة الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
فضائح العائلة… سقوط أخلاقي
وسط كل هذا النفوذ، تفجّرت فضيحة من العيار الثقيل مطلع 2025 حين ظهر نجل أبو دخان، أحمد، في مقطع مصور يعترف فيه بممارسات جنسية مثلية ويتحدث بلغة اعتبرها كثيرون مهينة للدين الإسلامي، بينما كان مخموراً.
تزامن ذلك مع تداول مقاطع من حفل زفافه الباذخ الذي حضرته شخصيات أمنية وسياسية رفيعة، بينما كانت دماء الفلسطينيين تنزف في مناطق مثل كفر مالك.
وقد أحدثت تلك المشاهد صدمة كبيرة، إذ جسّدت الانفصال الهائل بين طبقة السلطة المنغمسة في الامتيازات والاحتفالات وبين واقع الشعب الفلسطيني المكلوم تحت القصف والاحتلال.
لاحقاً، كشفت تقارير إعلامية عن وضع أبو دخان قيد الإقامة الجبرية، بتهم تتعلق بتحرش جنسي خلال فترة توليه قيادة الأمن الوطني، ما جعل خروجه من المشهد أكثر درامية، وألقى بظلال ثقيلة على صورة الأجهزة الأمنية التي اعتادت الترويج لنفسها كحامية للنظام والقانون.
بعد التقاعد… نفوذ لا ينتهي
رغم إحالته للتقاعد في مارس 2025، لا يبدو أن تأثير نضال أبو دخان انتهى. فالرجل، وإن بدا بعيداً عن الطموحات الرئاسية، يبقى رقماً صعباً قد يُستخدم في أي ترتيبات داخلية أو إقليمية مقبلة.
كما أن علاقاته العميقة بالأجهزة الأمنية، وخبرته الطويلة في التعامل مع الأميركيين والإسرائيليين، تجعله ورقة ثقيلة في يد أي قيادة فلسطينية جديدة تبحث عن “رجل قوي” يضبط الأمن ويمسك بالميدان.
لكن في النهاية، تظل صورة أبو دخان اليوم مختلطة: جنرال أمني متهم بقمع المقاومة، ورمز لانفصال السلطة عن شعبها، ورجل علاقات دولية يعرف دهاليز واشنطن وباريس. وفي بلد يعيش على وقع الاحتلال والانقسام، يبقى مثل هذا الخليط كفيلاً بإبقاء اسمه حاضراً في كواليس اللعبة الفلسطينية لسنوات قادمة.