تحليلات واراء

عباس في إيطاليا: رحلة إعلانية تخفي واقع السلطة الفلسطينية المزري

زار رئيس سلطة رام الله محمود عباس إيطاليا في وقت تحيط فيه السلطة الفلسطينية بأزمات داخلية عميقة، وفشل متواصل في إدارة الملفات الوطنية الأساسية، وواصل الإعلام الرسمي التغطية بطريقة مفخمة تصنع وهمًا بالنشاط والفاعلية، بعيدًا عن الواقع الحقيقي.

ورغم الصور الرسمية والاجتماعات البروتوكولية مع الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا ورئيسة الحكومة جورجيا ميلوني، فإن هذه اللقاءات لم تتجاوز إطار الاحتفاء الرمزي، وهي في جوهرها محاولة لإيهام الرأي العام الفلسطيني والدولي بأن السلطة تعمل بكفاءة وتمثل كل المكونات الفلسطينية، في حين أن الواقع عكس ذلك تمامًا.

فعباس، بحسب مراقبين فلسطينيين ودبلوماسيين، أجرى زيارته لتسويق صورته أكثر من معالجة الملفات الملموسة التي تعاني منها السلطة والشعب، خصوصًا في قطاع غزة والضفة الغربية.

ويشير الدبلوماسي المخضرم عدلي صادق إلى أن عباس يروج لنفسه كقائد يمتلك أجندة سياسية واسعة، بينما هو عمليًا مرتبط بحالة تشرذم داخلي عميق، وإدارة السلطة بطريقة تمنع أي حوار فعلي مع الفصائل الأخرى، بما في ذلك حماس، وتغطي على المشاكل الحقيقية التي يعانيها المواطن الفلسطيني يوميًا، مثل البطالة والفقر والأزمات الإنسانية المتفاقمة منذ حرب أكتوبر 2023.

ويضيف صادق أن هذه الاجتماعات الخارجية تتحول إلى “عرض للصور” أكثر من كونها منتدى لحل مشاكل ملموسة.

وقد مثلت الزيارة الإيطالية نموذجًا واضحًا لهذا النمط؛ إذ ركز الإعلام الرسمي على الكلمات الرنانة والصور الرسمية، بينما تجاهل حقيقة أن وفد عباس يفتقر إلى تمثيل حقيقي للمكونات الفلسطينية، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الديني.

فغياب الشخصيات الفصائلية والتمثيل المسيحي الكاثوليكي، خاصة من مطرانية القدس، يعكس استبعاد الشعب الفلسطيني من التمثيل الفعلي للوفد. وحتى التعيينات الدبلوماسية، مثل السفيرة الفلسطينية في روما، أثارت جدلاً لأنها ليست شخصية سياسية مستقلة، بل ابنة سكرتير الرئيس، ما يعكس نمطًا متكررًا في التعيينات الشخصية داخل السلطة.

استغلال الانقسام الفلسطيني

يشير صادق إلى أن عباس يستفيد من الانقسام الفلسطيني لصالحه؛ فوجود حماس كقوة معارضة للسلطة أعطاه ذريعة لتوسيع صلاحياته، وتبرير غياب الإصلاح، وإدامة ما يسميه بعض المراقبين “الفساد الإداري والمالي الممنهج”.

فالسلطة، وفق صادق، فقدت القدرة على ممارسة دورها الوطني بشكل متوازن، وأصبحت الأجهزة الرسمية وأطرها التنفيذية مرتهنة للحاشية المقربة من الرئيس، مع إفلات شبه كامل من المساءلة.

والزيارة لم تتطرق، بحسب الملاحظين، إلى الملفات الأساسية التي تشغل الدول الأوروبية الكبرى، مثل الوضع في غزة، وأزمات المساعدات الإنسانية، وحقوق الإنسان، أو حتى مسألة إعادة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المدمرة جزئيًا بسبب الانقسامات الداخلية والاعتداءات الإسرائيلية.

وكل ما تم التركيز عليه كان صيغًا عامة من قبيل “تعزيز العلاقات الثنائية” و”احترام خصوصية العلاقة الفلسطينية الإيطالية”، وهي عبارات لا تعكس أي تقدم ملموس أو آلية عمل محددة.

كما يلفت صادق إلى التناقض بين الطموحات الإعلامية للزيارة وحقيقة الوضع الفلسطيني؛ فاللقطات الرسمية توحي بأن هناك نقاشًا جادًا حول الملفات الوطنية، بينما الواقع أن عباس ووفده لم يقدموا أي مبادرات إصلاحية أو حلول عملية للأزمات المتراكمة.

ويشير إلى أن ما يحدث في الإطار الدولي، من لقاءات مع الرئيس الإيطالي ورئيسة الحكومة، لا يتجاوز الحدود البروتوكولية، ويأتي في سياق الحفاظ على المظهر الخارجي للسلطة فقط.

في المحصلة، يرى صادق أن زيارة عباس إلى إيطاليا تمثل نموذجًا للسياسة الفلسطينية الحالية: مزيج من الإعلانات الإعلامية، الاحتفاء الرمزي، والحفاظ على الوضع الراهن الذي يخدم مصالح القيادة الحالية ويغلق المجال أمام الإصلاح أو مساءلة المسؤولين.

وهي رحلة تستهدف عرض صور مزيفة للنشاط والفاعلية، مع غياب التمثيل الفعلي لجميع المكونات الفلسطينية، وغياب أي تقدم في معالجة القضايا الجوهرية التي تمس حياة المواطنين الفلسطينيين.

ويوضح ذلك أن سلطة رام الله مستمرة في دورة الانقسام الداخلي والفساد المؤسسي، وتستثمر رحلاتها الخارجية للظهور على أنها فاعلة، بينما الواقع يكشف عن عجزها المستمر عن إدارة الدولة أو تمثيل الفلسطينيين بحق على المستوى الدولي، وهو ما يجعل أي لقاءات رسمية، مهما كانت رفيعة المستوى، مجرد عرض إعلامي بدون مضمون حقيقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى