عام على حملة “حماية وطن”: خيانة السلطة لقضية شعبها وتواطؤها مع الاحتلال

في مثل هذه الأيام قبل عام، أطلقت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية حملة أمنية تحت عنوان “حماية وطن”، موجهة بشكل رئيسي إلى مخيم جنين ومحيطه في شمال الضفة الغربية، مدعية أنها تهدف إلى منع تدهور الأوضاع الأمنية هناك.
لكن ما جرى على الأرض كان عكس ما تم الترويج له، بحيث تحولت الحملة من عملية أمنية من المفترض أن تحمي الشعب الفلسطيني إلى واحدة من أكثر الحملات الأمنية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية خيانة وتواطؤًا مع الاحتلال الإسرائيلي.
ففي الوقت الذي كان يُعلن فيه عن الحملة باعتبارها وسيلة للحفاظ على الأمن الفلسطيني، كانت الحملة على الأرض تنفذ بأعلى درجات القمع والملاحقة ضد المقاومة الفلسطينية.
وقد استهدفت أجهزة السلطة بشكل رئيسي المقاومين من كتيبة جنين، حيث نفذت اعتقالات واسعة طالما قادة المقاومة وعناصر بارزة. وقد تراوحت الأساليب بين المداهمات الليلية، والاعتقالات العشوائية، وصولًا إلى حصار خانق على المخيم الذي ظل يشهد حصارًا طيلة الحملة.
استهداف المقاومة وتدمير البنية التحتية
جاءت نتائج الحملة الأمنية بنتائج كارثية على المقاومة في الضفة الغربية.
فبدلاً من أن تساهم الحملة الأمنية في تعزيز الأمن الوطني، ساهمت الحملة في إضعاف المقاومة الفلسطينية بشكل كبير، وأدت إلى تدمير البنية التحتية للمقاومة في جنين.
وأدى التنسيق المعلن وغير المعلن بين أجهزة السلطة والاحتلال الإسرائيلي إلى توجيه ضربة قاسمة للمجتمع المحلي في مخيمات الضفة الغربية.
خيانة وطنية تحت شعار “الحماية”
وصف الكاتب السياسي ياسين عز الدين الحملة بأنها “خيانة وطن”، محذرًا من أن السلطة الفلسطينية قد سهلت دخول الاحتلال إلى جنين، وهو ما أسفر عن تدمير واسع للمنطقة.
وقال عز الدين: “ادعوا أن الحملة كانت لحماية المخيم من الدمار، لكن النتيجة كانت تدميرًا شاملًا وتهجيرًا واستشهاد عشرات المقاومين.”
ولم تقف هذه الجريمة التاريخية عند تدمير الممتلكات، بل شملت تهجير مئات العائلات الفلسطينية من مخيماتها، وتسجيل أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى.
وما كان يجري على الأرض يتناقض تمامًا مع التصريحات الإعلامية التي أطلقتها السلطة الفلسطينية التي ادعت بأنها تستهدف حماية أبناء شعبها من الاحتلال.
لكن الحقيقة التي كشفها الواقع كانت أن الحملة ساعدت الاحتلال بشكل غير مباشر في القضاء على أشكال واسعة من المقاومة وتوسيع سيطرته على الأراضي الفلسطينية.
غياب الشرعية والإفلات من المحاسبة
فيما يتعلق بالجانب السياسي، أشار المراقبون إلى أن هذه الحملة، إضافة إلى غياب الانتخابات منذ سنوات وتعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني، قد فاقمت أزمة الشرعية لدى القيادة الفلسطينية.
إذ أن الشارع الفلسطيني شكك منذ اللحظات الأولى لإطلاق الحملة الأمنية في الأهداف الحقيقية لهذه الحملة، خاصة في ظل استمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال، الذي يراه غالبية الفلسطينيين جريمة بحق دماء الشهداء وأرواح المقاومين.
وتواصل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية عقد اجتماعات سرية مع الاحتلال لفرض هيمنتها على المخيمات الفلسطينية، وهو ما يكشف بوضوح عن غياب أي مشروع وطني حقيقي في ظل القيادة الحالية.
تساؤلات حول أهداف الحملة
أما عن أهداف الحملة الحقيقية، فقد باتت هناك تساؤلات كبيرة حول المسار الذي تسلكه السلطة الفلسطينية في هذه الحملة. فهل كان الهدف حماية الشعب الفلسطيني أم إضعافه؟ هل كان الهدف محاربة الاحتلال أم التعاون معه؟ لم تعد هذه الأسئلة مجرد تساؤلات صحفية، بل هي محور نقاشات فلسطينية حادة داخل المجتمعات المحلية.
السلطة الفلسطينية لم تجد إجابة شافية على هذه التساؤلات، خاصة وأن منظمات حقوق الإنسان والفصائل الفلسطينية المعارضة قد بدأت بتحميل السلطة مسؤولية ما يحدث في الضفة الغربية من قمع وتنسيق مع الاحتلال.
وتستمر عمليات الاقتحام الإسرائيلية بوتيرة متسارعة، بينما لا يزال العديد من المقاومين معتقلين في سجون السلطة، وأعداد أخرى لا تزال مطاردة من قبل أجهزة الأمن.
ورغم فشل الحملة “حماية وطن” في تحقيق أهدافها المعلنة، لا تزال أجهزة السلطة الفلسطينية مصممة على الاستمرار في نهجها، مواصلة ملاحقة المقاومين في المخيمات.
وهذا يشير إلى أن الهدف الحقيقي من هذه الحملة هو الإنهاء الكامل للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وتحقيق استقرار وهمي للسلطة الفلسطينية من خلال تعاونها المستمر مع الاحتلال.
نهاية الطريق أم بداية لمسار جديد؟
عام مضى على حملة “حماية وطن”، ومع استمرار الاقتحامات الإسرائيلية والتنسيق الأمني المشبوه، تظل قيادة السلطة الفلسطينية تسير في طريق مسدود.
فعلى الرغم من الحديث عن “حماية وطن”، تزداد ملامح الانقسام الداخلي، ويغرق الشعب الفلسطيني في أزمة سياسية وأمنية غير مسبوقة.
وقد بات واضحًا أن السلطة لم تكن سوى أداة لتنفيذ أجندات الاحتلال على الأرض. فهل ستستمر في هذه الطريق الذي لا عودة منه؟ أم أن الشعب الفلسطيني سيجد في المستقبل طريقًا جديدًا للتحرر من قيود السلطة التي تساهم في تعزيز الاحتلال بدلاً من مقاومته؟.





