
كشفت صحيفة نيويورك تايمز في تحقيق موسّع أن مشروع خصخصة توزيع المساعدات الإنسانية في غزة، والذي يبدو ظاهريًا كمبادرة أمريكية مستقلة، هو في حقيقته مخطط إسرائيلي بامتياز، انطلق من مجموعة ضباط احتياط ورجال أعمال إسرائيليين سعوا لتجاوز الأمم المتحدة، التي يعتبرها الاحتلال “غير موثوقة وعدائية”.
شركات مشبوهة تتولى توزيع المساعدات
وتعود جذور مشروع توزيع المساعدات إلى مجموعة من الضباط السابقين في “وحدة تنسيق أعمال الحكومة” التابعة لجيش الاحتلال، ممن خدموا تحت قيادة رومان غوفمان، الذي أصبح لاحقًا السكرتير العسكري لبنيامين نتنياهو. هؤلاء الضباط، بالتعاون مع رجال أعمال بارزين، عقدوا أول اجتماعاتهم في ديسمبر 2023 قرب تل أبيب، فيما يُعرف بـ”منتدى مكفيه إسرائيل”، بهدف رسم خطة بديلة لتوزيع الغذاء داخل غزة، بعيدًا عن القنوات الأممية.
وعلى مدار الحرب، كانت المنظمات الدولية هي الجهة المعتمدة لتوزيع المساعدات، لما تمتلكه من خبرات ميدانية. لكن الاحتلال يعمل حاليًا على استبدال هذه المنظمات بشركات ناشئة ومجهولة التمويل، ضمن خطة أثارت مخاوف الأمم المتحدة، ووصفتها بأنها “خطيرة ومثيرة للقلق”.
والهدف المعلن هو “منع وصول الغذاء إلى حركة حماس أو السوق السوداء”، عبر توجيه المساعدات إلى مناطق خاضعة لسيطرة الاحتلال، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة تهديدًا مباشرًا لحياة المدنيين، وقد يستخدم كوسيلة لإجبار السكان على النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، حيث تُقام مراكز التوزيع.
شركات أمنية أمريكية وضباط سابقون
وفي قلب المشروع تبرز أسماء وشركات مثيرة للجدل، منها:
-
صندوق GHF (صندوق المساعدات الإنسانية لغزة): يُدار من قبل جندي “مارينز” سابق يُدعى جاك وود، ويزعم أنه غير ربحي.
-
شركة “Safe Reach Solutions”: شركة أمن خاصة يرأسها فيليب رايلي، ضابط سابق في CIA، له تاريخ في تدريب مليشيات متطرفة في نيكاراغوا وشارك في مهام بأفغانستان.
-
مايكل أيزنبرغ، ليران تانكمان، ويوتام كوهين: رجال أعمال ومستشارون استراتيجيون إسرائيليون، ساهموا في بلورة الفكرة داخل “مدرسة مكفيه إسرائيل”.
ورايلي بدأ فعليًا نشاطه الأمني داخل غزة خلال وقف إطلاق النار المؤقت في يناير 2024، حيث قامت شركته بتفتيش سيارات فلسطينية.
وقد أكد أنه بدأ تواصله مع مسؤولين إسرائيليين في أوائل 2024، وأنه التقى بمستثمرين بارزين مثل أيزنبرغ وتانكمان.
من يمول مشروع توزيع المساعدات؟
ورغم التصريحات بأن المشروع “غير ربحي”، إلا أن الصحيفة أكدت وجود غموض كبير حول مصادر التمويل.
فحتى اللحظة، لم يُكشف عن الجهات الممولة لصندوق GHF، مما يثير تساؤلات حول أجندات خفية وأهداف تتجاوز الجانب الإنساني.
وما يكشفه هذا التحقيق ليس مجرد خطة لتوزيع مساعدات، بل محاولة لإعادة تشكيل الواقع الإنساني في غزة وفقًا لأجندة الاحتلال، من خلال خصخصة العمل الإغاثي، وتحييد المؤسسات الدولية، وفرض سياسات ميدانية تُخدم أهدافًا سياسية وأمنية.
وتحذر أوساط حقوقية وأممية من أن هذه الخطوة ستقود إلى تقويض العمل الإنساني في غزة وتحويله إلى أداة ضغط وسيطرة، في ظل الحصار المستمر والدمار الواسع الذي خلفته الحرب.