سياسة شبكة أفيخاي في فرض نهج الاستسلام والعمالة على الفلسطينيين

لا يكتفي أعضاء شبكة أفيخاي في التحريض على فصائل المقاومة وتبييض وجه الاحتلال الإسرائيلي في ذروة جرائمه وحرب الإبادة، بل إنهم يذهبون أبعد من ذلك في تبني سياسة فرض نهج الاستسلام والعمالة على الفلسطينيين.
إذ أن هذه الشبكة لا تكتفي بتزييف الحقائق، بل تحاول أن تجعل الخيانة وجهة نظر، بل مشروعًا ورؤية لمستقبل الفلسطينيين تحت هيمنة الاحتلال.
قبل يومين شهدت مدينة رام الله حدثًا صادمًا حين انسحبت آلاف العناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية من الشوارع إلى ثكناتهم، تاركين المدينة أمام اقتحام الاحتلال الإسرائيلي الواسع.
هذا المشهد الكاشف للهشاشة البنيوية لمؤسسات السلطة، قوبل بخطاب دعائي على لسان أحد أبواق شبكة أفيخاي، الناشط أمجد أبو كوش، الذي خرج ليصف هذا الانسحاب بـ”مشروع ورؤية”.
بهذا التصريح، لم يكتف أبو كوش بتبرير حالة العجز والانسحاب، بل حاول تصويرها كخيار “شجاع” يندرج ضمن فلسفة “الأمن الداخلي” الذي تتبناه السلطة.
وهو ما يكشف حقيقة أن هذه السياسة لم تعد مجرد تكتيك مرحلي، بل مشروع متكامل يهدف إلى تحييد الأجهزة الأمنية عن مواجهة الاحتلال، وتحويل سلاحها إلى أداة ضبط داخلي موجهة ضد المقاومة وأبناء الشعب الفلسطيني.
السلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني
يرى أمجد أبو كوش، ومعه أبواق شبكة أفيخاي، أن مهمة السلاح الفلسطيني هي “تنظيم الأمن الداخلي”.
لكن الأمن هنا لا يعني حماية الشعب من اعتداءات الاحتلال والمستوطنين، بل تنفيذ عمليات قتل ممنهجة للمقاومين، كما حدث في جنين حين أُعدم 11 فلسطينيًا مع بداية الحرب على غزة، لمجرد أنهم حاولوا التضامن مع أهلهم المحاصرين.
بمعنى آخر، أصبح دور الأجهزة الأمنية – كما يروج له أمجد – محصورًا في قمع أي محاولة لمقاومة الاحتلال أو إظهار التضامن مع غزة، بينما يُترك المستوطنون يعيثون فسادًا يوميًا، يقتلون ويهدمون البيوت في جنين وطولكرم ونابلس بلا رادع.
شبكة أفيخاي ويكيبيديا
ما تحاول شبكة أفيخاي وأدواتها فعله هو قلب المفاهيم: فالهروب من الشوارع يُقدَّم كخيار استراتيجي، والتقاعس عن حماية الشعب يُروَّج له كحكمة سياسية، فيما يُصوَّر الدفاع عن الأرض والكرامة كخيار انتحاري.
ويؤكد مراقبون أن هذه العملية الدعائية الممنهجة تهدف إلى إقناع الفلسطينيين أن الاستسلام هو السبيل الوحيد للبقاء، وأن أي مواجهة مع الاحتلال لا تجلب إلا الدمار.
إذ أن خطاب أمجد أبو كوش لم يأت من فراغ؛ فهو ابن شرعي لاتفاق أوسلو وما نتج عنه من هندسة سياسية وأمنية.
وأوسلو لم تفرغ فقط المقاومة من مضمونها، بل صنعت طبقة كاملة من النخب التي ترى في التنسيق الأمني والعمالة مشروعًا “وطنياً”. هذه النخب تتشرب الخيانة وتعيد إنتاجها عبر منصات التواصل الاجتماعي ودوائر الضغط في أوروبا والغرب، حيث يتفاخر بعضهم بصداقاتهم مع لوبيات الاحتلال ويبررون جرائمه بلغة ناعمة.
الخيانة كـ”وجهة نظر”
أحد مؤسسي حركة فتح كان قد حذر قبل عقود قائلاً: “أخشى ما أخشاه أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه الخيانة وجهة نظر”. لكن الواقع الحالي تجاوز هذه النبوءة؛ فلم تعد الخيانة مجرد رأي أو اجتهاد فردي، بل أصبحت مشروعًا فكريًا يتبناه مثقفون وإعلاميون يزعمون أنهم يعبرون عن “الواقعية السياسية”.
وعليه فإن أمجد أبو كوش يمثل نموذجا صارخا لهذا التحول: فهو لا يكتفي بالدفاع عن سياسات التنسيق الأمني، بل يقدمها كـ”رؤية لمستقبل الشعب الفلسطيني”.
كما أن خطاب شبكة أفيخاي لا يستهدف الاحتلال بهجوم مباشر على المقاومة فقط، بل يسعى بالدرجة الأولى إلى ضرب الجبهة الداخلية الفلسطينية.
فحين يُقنع الفلسطينيون أن أبناء جلدتهم من المقاومين هم الخطر، بينما يُبرَّر القتل والاقتحام اليومي للاحتلال باعتباره “قدراً لا يمكن مقاومته”، فإن الهدف يتحقق: تفكيك الوعي الجماعي وتحييد المجتمع عن أي مشروع مقاوم.
وما يطرحه أبو كوش ومن على شاكلته أخطر من مجرد رأي منحرف، لأنه يُسهم في تطبيع الاستسلام وجعل الخضوع للاحتلال خيارًا شرعيًا.
هذه الدعاية لا تستهدف فقط الفلسطينيين داخل الضفة وغزة، بل أيضًا الرأي العام العربي والدولي، الذي يُراد له أن يرى الفلسطينيين وقد انقسموا بين “عقلاء” يقبلون بالتعايش مع الاحتلال و”مغامرين” يدفعون الشعب إلى الهلاك.
وبالخلاصة فإن أحداث رام الله الأخيرة لم تكشف فقط عن ضعف الأجهزة الأمنية الفلسطينية أمام الاحتلال، بل أظهرت الوجه الآخر للحرب الدعائية التي تقودها شبكة أفيخاي عبر أدوات محلية مثل أمجد أبو كوش. هذه الحرب تسعى لتكريس نهج العمالة والاستسلام كخيار وحيد، وتشويه أي محاولة للمقاومة باعتبارها انتحارًا.
لكن الحقيقة التي يحاول هؤلاء طمسها هي أن الاحتلال هو المسؤول الأول عن جرائم الإبادة والتهجير، وأن المقاومة بكل أشكالها ليست خيارًا عبثيًا، بل ضرورة وجودية لشعب يواجه خطر الفناء، وإن أخطر ما يمكن أن يحدث هو أن تتحول الخيانة من مجرد “وجهة نظر” إلى مشروع يُتباهى به.