معالجات اخبارية

قصف المستشفيات خط أحمر.. إلا إذا كانت إسرائيل هي من تفعلها

في صباح الخميس 19 يونيو/حزيران، تصاعد الدخان من مبنى مستشفى سوروكا في بئر السبع إثر قصف صاروخي إيراني، ما أثار عاصفة من الإدانات الرسمية الإسرائيلية، وبيانات غاضبة من المسؤولين الطبيين، واهتمامًا فوريًا من وسائل الإعلام الدولية.

غير أن هذا “الغضب الأخلاقي العاجل” الذي اجتاح الساحة الإسرائيلية ومعها عدد من المنابر الغربية، بدا منفصلًا كليًا عن واقع غزة، حيث تعرضت البنية الصحية خلال الشهور الماضية لتدمير منهجي على يد الجيش الإسرائيلي دون أن يُقابل ذلك بغضب مماثل.

ردود فعل غاضبة على قصف سوروكا

وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير شبّه إيران بـ”النازيين الذين يستهدفون الأطفال في المستشفيات”.

من جهته الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ تحدث عن “طفل رضيع في قسم العناية المكثفة وطبيب يهرع بين الأسرّة”، بينما وصف وزير الثقافة ميكي زوهار المهاجمين بـ”حثالة الأرض”.

أما نقابة الأطباء الإسرائيلية فوصفت الهجوم بأنه “جريمة حرب”، داعيةً المجتمع الطبي الدولي إلى التحرك.

شكلت هذه الردود الإسرائيلية إدانة صاخبة ومباشرة، ورسائل سياسية تحمل شحنة أخلاقية قوية، سرعان ما تناقلتها كبرى وسائل الإعلام.

في المقابل: تدمير ممنهج للمستشفيات في غزة

لكن المشهد يبدو أكثر مأساوية عند مقارنته بالصمت أو التبرير الذي واجهت به نفس الأطراف تدمير النظام الصحي في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023.

فمنذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية، تعرض أكثر من 700 مرفق صحي في غزة لهجمات مباشرة وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، من بينها مستشفيات كبرى كـالشفاء وناصر والمستشفى الإندونيسي، إضافةً إلى سيارات إسعاف، وعيادات متنقلة، وملاجئ طبية مؤقتة.

فُككت البنية الصحية الفلسطينية حرفيًا تحت وقع القصف الإسرائيلي، وفي بعض الحالات، تم استهداف أطباء وممرضين أثناء تأدية واجبهم، بل وأجبروا على إخلاء أقسام الطوارئ تحت النار.

معيار مزدوج

الخطاب الرسمي الإسرائيلي، ومعه كثير من الخطاب الغربي، حاول تبرير تدمير مستشفيات غزة باعتبارها “مواقع عسكرية تستخدمها حماس”، وهو ما رددته الجمعية الطبية الإسرائيلية في أحد بياناتها النادرة، معتبرة أن “استهداف المرافق الطبية جائز إذا استخدمت لأغراض إرهابية”.

بمعنى آخر: ما يُعد جريمة حرب عندما يُنفذ ضد مستشفى إسرائيلي، يصبح ضرورة أمنية حين تُقصف المستشفيات الفلسطينية.

الغريب أن هذا النفاق لم يقتصر على الحكومة الإسرائيلية، بل امتد إلى بعض الجهات الطبية الدولية.

فقد التزمت أغلب الجمعيات والمجلات الطبية الكبرى الصمت التام خلال مراحل تدمير النظام الصحي في غزة، ولم تطالب بتحقيقات أو مساءلة كما تفعل اليوم بعد الهجوم على مستشفى سوروكا.

إن هذا الصمت المؤسسي الدولي حيال استهداف المستشفيات الفلسطينية لا يُمثل مجرد انحياز، بل يسهم في ترسيخ فكرة أن حياة الفلسطينيين ليست ذات قيمة أخلاقية مساوية لغيرهم، وأن حماية القانون الدولي لا تُطبق بالتساوي.

عندما تصبح أرواح الفلسطينيين “ضررًا جانبيًا”

في الرواية الإسرائيلية العامة، بات استهداف المستشفيات في غزة مقبولًا ومنطقيًا. فبدلًا من اعتبار الضحايا المدنيين ضحايا، يجري التعامل معهم كـ”دروع بشرية”، و”أضرار جانبية”، وأحيانًا كـ”جزء من المشكلة الأمنية”.

لقد أصبح طفل تحت التخدير في غرفة عمليات بغزة يُعامل كهدف محتمل، في حين يتحول طفل في مستشفى إسرائيلي إلى رمز للبراءة وسببٍ للتعبئة الدولية.

والازدواجية في التعامل مع قصف المستشفيات تكشف فشلًا أخلاقيًا مزدوجًا. فمن جهة، تهاوت المعايير القانونية والأخلاقية التي يفترض أن تُطبّق على الجميع دون تمييز. ومن جهة ثانية، فإن هذا الانحياز الواضح يمنح إسرائيل ضوءًا أخضرًا لمواصلة سياستها التدميرية في غزة بلا رادع أو محاسبة.

لقد كان ينبغي أن تُقرع أجراس الإنذار الدولية عندما دُمّرت غرفة العمليات الأولى في غزة، لا أن تُنتظر صواريخ إيرانية تضرب مستشفى إسرائيلي كي يُعاد التذكير بأن المنشآت الصحية “يُفترض أن تكون محمية”.

وإذا كانت قواعد القانون الدولي الإنساني تُحرّم استهداف المستشفيات وتعتبره جريمة حرب، فإن هذا ينطبق على كل من ينتهكها، سواء كان إيران، أو دولة الاحتلال أو أي طرف آخر.

وأي تعامل انتقائي مع هذه القاعدة لا يُعد فقط نفاقًا فاضحًا، بل تواطؤًا دوليًا في جرائم حرب، واستهدافًا إضافيًا لضحايا لا يملكون صوتًا في المحافل الدولية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى