تحليلات واراء

فادي الدغمة.. صوت شبكة “أفيخاي” في غزة وأداة لضرب الجبهة الداخلية

من الهجوم على قيادات المقاومة الفلسطينية ووصفهم بالمرتزقة إلى التحريض على الصحفيين في غزة أمثال الشهيد حسن اصليح، برز فادي الدغمة كأحد أبرز أصوات شبكة افيخاي وأداة مأجورة لضرب الجبهة الداخلية.

ففي الوقت الذي تتعرض فيه غزة لحرب إبادة متواصلة منذ السابع من أكتوبر 2023، وتغرق في نهر من الدماء والمجازر والانهيار الإنساني، لا تتوقف بعض الأصوات المحسوبة على الداخل الفلسطيني عن ممارسة نوع آخر من العدوان، يتمثل في ضرب الجبهة الداخلية من الداخل، والتشويش على الوعي الجمعي، وتزييف الحقائق لصالح الرواية الإسرائيلية.

من بين أبرز هذه الأصوات التي تنشط في هذا الإطار، يبرز اسم فادي الدغمة، أحد الوجوه المحسوبة على شبكة “أفيخاي” الناشطة في الحرب النفسية، والتحريض على المقاومة، وتمرير سرديات العدو من داخل الساحة الفلسطينية.

من هو فادي الدغمة؟

فادي الدغمة من قطاع غزة، ينشط منذ سنوات على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتخذ من الخطاب النقدي منصة دائمة له.

غير أن هذا “النقد” لم يكن يومًا موجّهًا للاحتلال، ولا تعرّض يومًا لجرائم الحرب الإسرائيلية، ولا تطرق إلى مسؤولية الاحتلال عن الحصار أو القتل أو التجويع، بل صبّ في مجمله ضد المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، سواء في فترات التهدئة أو، بشكل أشرس، في خضم المجازر والحروب.

ولا يمكن فهم شخصية الدغمة ودوافعه دون وضع نشاطه ضمن مشروع أوسع، هو مشروع شبكة أفيخاي، التي تُعنى باستخدام أدوات إعلامية ناطقة بالعربية – فلسطينية الشكل، إسرائيلية الجوهر – من أجل توظيف النقد المحلي في خدمة التحريض على المقاومة، وتجويف فكرة الصمود، وإحلال الشك محلّ الإيمان الشعبي بخيار المقاومة.

التحريض في زمن المجازر

منذ اليوم الأول لبدء العدوان الإسرائيلي واسع النطاق على قطاع غزة، لم يكن فادي الدغمة منشغلًا بتوثيق أو إدانة الجرائم اليومية التي يرتكبها الاحتلال بحق النساء والأطفال والبنية التحتية، بل كان شغله الشاغل هو نقد المقاومة وتحميلها مسؤولية الحرب.

وبينما كانت الجرافات الإسرائيلية تحفر تحت ركام العائلات المدمّرة، كان الدغمة يطلق سيلًا من المنشورات والتعليقات والتسجيلات التي تصوّر المقاومة كطرف عدواني، وتتهمها بـ”اختطاف غزة”، و”التسبب بالكارثة”، و”استغلال المدنيين”، وهو خطاب لا يختلف في جوهره عن البيانات العسكرية للناطق باسم الجيش الإسرائيلي.

وفي الوقت الذي استخدمت فيه دولة الاحتلال مصطلحات مثل “الدرع البشري”، و”المقرات تحت المستشفيات”، و”حرب فرضتها حماس”، كان فادي الدغمة يعيد إنتاج هذه المصطلحات ذاتها باللغة الفلسطينية، في تكرار مقصود لمفردات الحرب النفسية الإسرائيلية، ما جعله أشبه بـ”صدى داخلي” للدعاية المعادية.

انسجام كامل مع ماكينة التحريض الإسرائيلية

تكمن خطورة خطاب فادي الدغمة في أنه لا يأتي من مكتب ناطق عسكري إسرائيلي، بل من داخل القطاع المحاصر نفسه، وهذا ما يجعل تأثيره مضاعفًا، إذ يتم تسويقه باعتباره “رأيًا حرًا”، بينما هو في الحقيقة جزء من استراتيجية مبرمجة لضرب الوعي الفلسطيني.

فمنشوراته يتم اقتباسها باستمرار من قبل حسابات إسرائيلية ناطقة بالعربية، ويُعاد تداولها في منصات تحريضية تسعى لتضخيم أي صوت فلسطيني يتماهى مع خطاب الاحتلال، كدليل على “الرفض الداخلي لحماس”، و”غضب السكان من المقاومة”، وهي ادعاءات تسعى إسرائيل جاهدة لإثباتها لخلق شرعية زائفة لحربها على غزة.

وتكشف متابعة حسابات الدغمة عن انسجام كامل مع المواقف الإسرائيلية في مفاصل مفصلية، مثل تبرئة الاحتلال من المجازر، وتبرير الحرب باعتبارها “ردًا على السابع من أكتوبر”، والهجوم على أي محاولة للمقاومة أو التعبئة الوطنية، والسكوت التام عن وحشية الحصار.

دور وظيفي لضرب الجبهة الداخلية

في أوقات الحرب، تُعدّ الجبهة الداخلية هي القاعدة الصلبة التي تُبنى عليها قدرة أي مجتمع على الصمود. وتدرك دولة الاحتلال جيدًا أن كسر هذه الجبهة لا يتم فقط بالصواريخ، بل بخطاب مفرّغ من الوطنية، ينشر الشك واليأس والانقسام. وهنا تمامًا يأتي دور فادي الدغمة.

فهو يزرع الشك في مشروعية المقاومة، ويُضعف ثقة الناس بخياراتهم الوطنية، ويحمّل ضحايا الحرب المسؤولية، ويجعل من الاحتلال طرفًا محايدًا في معركة “داخلية” بين “الحكومة” و”الشعب”، وفق منطق مقلوب يُعيد كتابة الواقع بما يخدم المحتل.

كما يحاول الدغمة دائمًا الترويج لنموذج “المواطن الصامت” الذي يريد فقط “الحياة” و”الخدمات”، في مقابل مقاومة “مهووسة بالصواريخ”، ويقدم نفسه كممثل لهذا المزاج الشعبي. وهذا النمط من الخطاب يهدف أساسًا إلى نزع البعد التحرري عن معركة غزة، وتحويلها إلى أزمة خدماتية أو سياسية داخلية، وهو ما تسعى إسرائيل لتكريسه في الإعلام الدولي.

تغطية التحريض بـ”لباس مدني”

لإضفاء الشرعية على تحريضه، يستخدم فادي الدغمة مفردات مثل “الحرية”، “العدالة”، “الحقوق المدنية”، ويدّعي أنه يدافع عن الناس، بينما يتجاهل أن الاحتلال هو أصل كل مأساة إنسانية في غزة، وأن المقاومة هي التي تدفع الثمن نيابة عن شعب لا يملك ترف الحياد في مواجهة الإبادة.

وهذا التكتيك ليس جديدًا؛ إذ تعتمده دولة الاحتلال منذ سنوات لتجنيد “أصوات محلية” تتحدث بمصطلحات الحداثة والحقوق، لكنها تنفذ عمليًا أجندة الاحتلال. ويشكّل الدغمة نموذجًا بارزًا لهذا النوع من الناشطين الذين يبيعون خطابًا مموّهًا يخدم العدو أكثر مما يخدم القضية.

صوت مأجور في لحظة مصيرية

ليس فادي الدغمة صوتًا نقديًا مستقلًا كما يحب أن يصوّر نفسه، بل هو عنصر فعّال في شبكة أفيخاي، وأداة ناعمة في مشروع إسرائيلي واسع لضرب الداخل الفلسطيني من داخله.

وإن تكرار خطاب العدو بلكنة فلسطينية لا يمنحه براءة، بل يجعله شريكًا في الجريمة المعنوية التي تستهدف إرادة شعب صامد تحت الحصار.

وفي الوقت الذي تُقصف فيه المدارس والمستشفيات، ويُقتل الأطفال تحت الأنقاض، يصبح الوقوف على الحياد خيانة، ويصبح التحريض على المقاومة – في هذه اللحظة بالذات – طعنة في خاصرة غزة، تخدم الاحتلال وتبرر جرائمه، مهما تلونت بالشعارات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى