تحليلات واراء

عمار عمر.. أداة مفضوحة في ماكينة الدعاية والتحريض الإسرائيلية

في ذروة حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، يبرز عمار عمر كأحد الأدوات المفضوحة في ماكينة الدعاية والتحريض الإسرائيلية بهدف تفكيك الجبهة الداخلية الفلسطينية، وضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة، وإشاعة الشك والانقسام.

وبينما تتساقط القنابل على رؤوس المدنيين وتُسجّل مجازر جماعية يوميًا، فإن عمار عمر، أحد أعضاء شبكة “أفيخاي”، تحوّل إلى ناطق غير رسمي باسم منظومة التحريض على غزة ومقاومتها.

من هو عمار عمر؟

ناشط إعلامي ينحدر من مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، ويقيم حاليًا في مدينة رام الله، حيث ينشط على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي، ويقدّم نفسه كصوت “العقلانية والواقعية في زمن الغضب”.

لكن خلف هذه الواجهة، يكشف تحليل مضمون منشوراته ومداخلاته عن تماهٍ كامل مع الرواية الإسرائيلية في الحرب، لا سيما في ما يتعلق بإلقاء اللوم على المقاومة وتحميلها تبعات العدوان، وتبرئة الاحتلال من مسؤوليته المباشرة عن القتل والتدمير والتجويع.

هجوم دائم على المقاومة تحت شعار “الواقعية”

منذ الأيام الأولى لحرب الإبادة الإسرائيلية، لم يترك عمار عمر مناسبة إلا وهاجم فيها المقاومة الفلسطينية، وخاصة كتائب القسام.

ولم تكن منشوراته تُحمّل الاحتلال مسؤولية التدمير أو القتل، بل اتخذت مسارًا واضحًا في شيطنة الفصائل المسلحة واتهامها بـ”التهور” و”الجنون” و”الارتهان للمحاور”.

بلغة تشي بالاحتقار والازدراء، كتب عمر في أحد أشهر منشوراته: “عندما تسير الناس وراء خطابات النصر الوهمي، فلتنتظروا المزيد من القبور المفتوحة.”

هذه اللغة، التي تسعى إلى تحطيم معنويات جمهور المقاومة، تتقاطع بشكل مباشر مع خطاب الناطقين باسم جيش الاحتلال، لا سيما أفيخاي أدرعي، الذي ما فتئ يردّد أن المقاومة “تضحّي بشعبها”، وهي العبارة ذاتها التي كررها عمر، مع تغيير طفيف في المفردات.

وفي منشور آخر خلال العدوان على رفح، كتب: “رفح تحترق، بينما القادة مختبئون في الأنفاق. كم من الكذب يمكن أن يبتلعه هذا الشعب باسم الممانعة؟”

هذا الطعن الممنهج في شرعية المقاومة وشعبيتها وصمودها لم يكن يتوقف عند حدود الانتقاد السياسي، بل تحوّل إلى خطاب تقسيمي، يشيع الكراهية بين الضفة وغزة، ويحاول خلق صورة ذهنية عن قطاع غزة باعتباره رهينة “جهات لا تعبأ بشعبها”.

تطابق مع الرواية الإسرائيلية

عند تحليل نمط منشورات عمار عمر خلال الشهور الماضية، يبرز بوضوح الانسجام مع الرسائل الإسرائيلية الأساسية التي تحاول حرف النقاش الفلسطيني الداخلي نحو لوم الذات، وتغذية الانقسام.

فبينما كانت دولة الاحتلال ترتكب المجازر في المستشفيات ومخيمات النزوح، اختار عمر أن يتحدث عن “عبثية المواجهة”، وكتب في أحد منشوراته: “غزة لا تحتاج لصواريخ، بل لحياة… أوقفوا المزايدات.”

هذا الخطاب، الذي يتقمص لهجة إنسانية، لا يوجه أي ضغط أو لوم إلى الاحتلال، بل يوجهه إلى المقاومة وحدها، في تجاهل متعمّد لمعادلة القمع والمقاومة، المعتدي والضحية. وهي استراتيجية إعلامية تتبعها الدعاية الإسرائيلية منذ عقود، وتقوم على “تبييض” دور الجيش الإسرائيلي، وتحميل الفلسطينيين مسؤولية موتهم.

بل إن بعض منشوراته نقلت تقريبًا حرفيًا من المواقع العبرية، دون الإشارة إلى مصادرها، مثل منشوره الذي كرر فيه الرواية الإسرائيلية بشأن استخدام المقاومة للمدنيين “كدروع بشرية”، رغم أن تحقيقات مؤسسات أممية ومحايدة دحضت هذا الزعم مرارًا.

تفكيك الجبهة الداخلية… الهدف الرئيسي

في واقع الحرب النفسية الإسرائيلية، يلعب أمثال عمار عمر دورًا محوريًا في تفتيت الجبهة الفلسطينية من الداخل. إذ أن منشوراته تزرع الريبة والخوف في صفوف الفلسطينيين، وتسخر من أي محاولات صمود أو تمسك بالثوابت، وتحوّل النضال من أجل التحرير إلى “جنون”، والمقاومة إلى “انتحار جماعي”.

وعبر استهداف جمهور الضفة الغربية المحتلة بشكل خاص، يسعى عمر إلى عزل غزة عن محيطها الوطني والشعبي، والقول إن “أهل غزة يقادون إلى المقصلة بلا وعي”، وهي عبارة كتبها حرفيًا في منشور أثار استياء شعبيًا واسعًا، لكنه نال إعجاب متحدثين رسميين إسرائيليين.

دعم غير مباشر من السلطة

رغم أن خطاب عمار عمر يحمل أحيانًا طابعًا نقديًا للسلطة الفلسطينية، إلا أن علاقته بدوائر نافذة في رام الله، ومنها الأمنية والإعلامية، غير خافية، وهو ما يطرح علامات استفهام حول تركه طليقًا في بث خطاب يصب في صالح الاحتلال، في وقت تتعرض فيه منشورات مقاومين أو صحفيين للتحقيق والملاحقة.

ووفقًا لتحليلات رقمية، فإن منشوراته تحظى بتفاعل من حسابات تتبع لشبكة أفيخاي، وهي الشبكة الرقمية التي أسسها الاحتلال للتأثير في الرأي العام الفلسطيني عبر أدوات محلية.

وعليه فإن عمار عمر ليس مجرد مدون أو ناقد سياسي، بل يُعد حالة نموذجية لما بات يُعرف بـ”النخب المتماهية مع الاحتلال”؛ أفراد فلسطينيون يملكون أدوات الخطاب المحلي، ويستخدمونها لتدمير المناعة الجماعية في مواجهة مشروع الإبادة والاقتلاع.

وفي سياق الحرب الشاملة على غزة، يصبح تواطؤ هؤلاء – سواء عن قناعة شخصية أو كجزء من هندسة دعائية أكبر – خطرًا لا يقل عن القصف، لأنه يستهدف ما تبقى من وحدة الشعب الفلسطيني حول قضيته الأساسية: التحرير والكرامة. وعليه، فإن فضح هذا الدور، وتفكيك أدواته، ومحاسبته، ليس ترفًا بل ضرورة وطنية ملحة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى