معالجات اخبارية

رجال الأعمال في غزة يرفضون الخطة الإسرائيلية للمساعدات

مشروع فاشل يهدف إلى تطبيع التجويع

في الوقت الذي تعاني فيه غزة من كارثة إنسانية غير مسبوقة، تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة فرض آلية جديدة للمساعدات الإنسانية تتجاوز الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

الخطة الإسرائيلية استندت إلى التعاقد مع شركة مرتزقة أمريكية ومجموعة فلسطينية محلية غامضة، لكن هذه الخطة التي رُوِّج لها على أنها “حل بديل فعال”، لم تصمد طويلًا أمام رفض واسع من رجال الأعمال المحليين وفوضى ميدانية كشفت عجزها وفشلها المبكر.

وكشفت صحيفة فايننشال تايمز الأمريكية، أن شركة أمنية أمريكية تدعى “سيف ريتش سوليوشنز”، ويديرها ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، تولت تنفيذ الخطة الجديدة التي استثنت منظمات الإغاثة الدولية، وسعت إلى إيجاد شركاء محليين في غزة لإدارة مراكز التوزيع.

غير أن المساعي الأمريكية-الإسرائيلية اصطدمت برفض قاطع من رجال أعمال فلسطينيين بارزين رفضوا أن يكونوا غطاءً لخطة يرون فيها تهجيرًا ناعمًا وخرقًا للمبادئ الإنسانية.

“مهزلة إنسانية”: أربعة مراكز لإطعام مليوني شخص

رجل الأعمال في غزة سهيل السقا، رئيس نقابة المقاولين في غزة، وصف الخطة بأنها “مهزلة”. وقال: “يريدون أن يُطعموا مليوني فلسطيني من خلال أربعة مراكز! كيف؟ إنها مهزلة!”.

وكشف السقا أن شركته تلقت عرضًا من “سيف ريتش سوليوشنز” في منتصف مايو لتوفير عمال لمراكز التوزيع، لكنه رفض التعاون بعد أن اتضح له ضيق نطاق الخطة وسوء تنظيمها، خاصة أن المراكز الأربعة جميعها تتركز في جنوب القطاع، ما يعني أن سكان الشمال سيُجبرون على النزوح لتلقي المساعدات، وهو ما وصفه بـ”التهجير المقنّع”.

وأضاف السقا أن شركته رفضت التعاون بعدما تبيّن أن الجهة التي تدير المشروع هي مؤسسة محلية غامضة تُدعى “مؤسسة غزة الإنسانية”، لا تتمتع بأي شرعية محلية أو دولية.

وتابع “أخبرناهم أن أنشطتكم ترتبط بأجندة سياسية تضر بالقضية الفلسطينية، ولن نقبل بها تحت أي ظرف”.

رجال الأعمال يرفضون التورط في أجندات الاحتلال

لم يكن السقا وحده من رفض التعاون مع المشروع المشبوه. أحمد الحلو، رئيس جمعية أصحاب البترول في غزة، قال إنه تلقى مكالمة من شخص يتحدث العربية ويزعم أنه من “منظمة أمريكية”. طلب منه تقديم عطاء لتشغيل 40 موظفًا في كل مركز وتوفير زي رسمي ووسائل نقل.

في البداية، قدّم الحلو عرضًا عبر البريد الإلكتروني، لكنه تراجع سريعًا، إذ قال “بمجرد اكتشافي معارضة الناس، قررت عدم المشاركة. لأن أن ذلك سيضر بالناس ويدفعهم للانتقال من الشمال إلى الجنوب”.

رفض رجال الأعمال التعاون أحرج المخططين، ما دفع شركة المرتزقة الأمريكية للتعاقد في نهاية المطاف مع شركة محلية تُدعى “الإخوة الثلاثة” يديرها محمد الخزندار، وهي شركة كانت حتى وقت قريب غير معروفة نسبيًا في القطاع.

من هم “الإخوة الثلاثة”؟

وفقًا لمصادر مطلعة تحدثت للصحيفة، فإن الخزندار وفريقه معروفون لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ولهم تاريخ طويل في التعاون معها.

وقد تم التعاقد مع شركته لتكون نقطة الاتصال الأولى مع السكان الباحثين عن المساعدات، ولتتولى إدارة البيانات، تنظيم الطوابير، والإشراف على التوزيع في مركز تل السلطان بمدينة رفح.

غير أن الخزندار رفض التعليق للصحيفة، ما زاد من الغموض حول طبيعة شركته وارتباطاتها.

تقرير لوزارة الاقتصاد الفلسطينية في رام الله صدر في أبريل 2024 وصف “الإخوة الثلاثة” بأنها شركة بنزين حصلت خلال الحرب على حقوق حصرية لاستيراد البضائع التجارية إلى غزة بتصريح من إسرائيل، ما منحها احتكارًا في تصاريح التجارة. وقد قامت ببيع التصاريح لتجار آخرين بأسعار مرتفعة، مما ساهم في ارتفاع الأسعار على المواطنين.

الفوضى والانهيار في اليوم الأول

بدأت عمليات توزيع المساعدات في مراكز التوزيع الأربعة وسط حضور مكثف للقوات الإسرائيلية وشركة الأمن الأمريكية. لكن اليوم الأول كشف هشاشة الخطة، حيث اندلع الفوضى وتزاحم السكان، ما أدى إلى إطلاق النار على المدنيين وتخلي الشركة عن نظام التسجيل في الساعات الأولى.

وقال مصدر مطلع على سير العملية إن نظام التحقق من الهوية لم يكن مفعّلًا، وإن شركة “سيف ريتش سوليوشنز” فشلت في إدارة التدفق البشري الكبير، واضطرت لتغيير آليات التوزيع بشكل مرتجل وسط فوضى كاملة.

المشاهد صدمت المنظمات الإنسانية الدولية، التي رأت في الخطة استبدالًا كارثيًا لنظام الأمم المتحدة، القائم على الحياد والشفافية والضمانات، بآلية سياسية تخدم الاحتلال.

“غزة الإنسانية”: واجهة بلا شرعية

أثارت المؤسسة المسماة “غزة الإنسانية”، التي ظهرت فجأة كمقاول محلي للمساعدات، تساؤلات كثيرة حول تمويلها، ارتباطاتها، وغياب أي رقابة إنسانية على أنشطتها. ولا توجد معلومات علنية عن سجلها، مجلس إدارتها، أو علاقاتها الدولية.

وقد اعتبرت جهات فلسطينية هذه المؤسسة غطاءً لتغلغل الاحتلال في ملف الإغاثة بهدف إعادة هندسة المجتمع الفلسطيني، وتحويل العمل الإنساني إلى أداة للسيطرة السياسية والاجتماعية.

ويرى مراقبون أن الخطة تهدف إلى فرض ما يمكن تسميته بـ”التطبيع الإنساني”، حيث يتم استخدام المساعدات كورقة ضغط لفرض وقائع سياسية واقتصادية تخدم الاحتلال وتضعف المجتمع المدني الفلسطيني.

ويؤكد هؤلاء أن استثناء الأمم المتحدة من الخطة واستبدالها بمرتزقة وشركات محلية موالية للاحتلال هو محاولة لتفكيك أي شكل من أشكال السيادة الفلسطينية على العمل الإغاثي، وتحويله إلى ذراع من أذرع الاحتلال.

وعليه فإن خطة المساعدات الجديدة في غزة ليست فقط مشروعًا فاشلًا على الصعيد الإنساني، بل هي جزء من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل البيئة السياسية والاجتماعية في القطاع. وقد شكل رفض رجال الأعمال الفلسطينيين لهذا المشروع صفعة مبكرة لكل من راهن على نجاحه.

لكن الأهم من ذلك أن الفلسطينيين يدركون جيدًا أن الاحتلال لا يوزع المساعدات إلا إذا كانت تخدم هدفًا أكبر: السيطرة، الإخضاع، وربما التهجير. وهم يقولون بوضوح: لسنا جائعين لدرجة أن نبيع كرامتنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى