أول إقرار إسرائيلي رسمي بدعم وتسليح عصابة ياسر أبو شباب

كشفت إذاعة عبرية عن أن “إسرائيل” نقلت سلاحًا لمليشيا المدعو ياسر أبو شباب بينها أسلحة خفيفة صودرت من كتائب القسام خلال الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ 600 يوم في اعتراف هو الأول من نوعه.
وقالت إذاعة الجيش إن “مليشيا المدعو أبو شباب تعمل شرقي رفح في مناطق سيطرت عليها القوات الإسرائيلية”.
وذكرت أن تسليح مليشيا أبو شباب جاء بمبادرة من أجهزة الأمن والقيادة السياسية.
من هو ياسر أبو شباب؟
وفي مشهد عبثي يكشف حجم التناقض والارتباك داخل المؤسسة الإسرائيلية، خرج أفيغدور ليبرمان، وزير الحرب الأسبق ورئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، ليهدم آخر ما تبقّى من غطاء أمني مزعوم حول سياسات حكومته، ويفجّر فضيحة كبرى لم يتجرأ أحد من النخبة السياسية الإسرائيلية على قولها علنًا.
فقد اتهم ليبرمان، بصورة مباشرة وصريحة، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بإعطاء أوامر سرّية لتسليم أسلحة إلى مجموعات مسلحة داخل قطاع غزة، لا تخضع لأي بنية تنظيمية وطنية، بل ترتبط بعائلات إجرامية ومليشيات خارجة عن السياق الوطني.
المثير للذهول أن هذه العملية لم تُعرض على المجلس الوزاري المصغّر (الكابينت)، ولم تُناقش في إطار المؤسّسات الرسمية التي يُفترض بها أن تراقب وتقرّر في قضايا الأمن القومي، بل نُفّذت في الظل، بمعرفة وموافقة رئيس الشاباك.
وكأن (إسرائيل)، بكل ما تدّعيه من مؤسسية، تحوّلت إلى شركة أمنية خاصة، توزّع السلاح لمن تشاء، حتى لو كانت النتيجة زعزعة “أمنها الداخلي” على المدى القريب.
ليبرمان يفضح “جيش لحد” في غزة
ليبرمان لم يتحدث عن “خصوم سياسيين” بل عن خلايا تعبث بمستقبل المنطقة، حين شبّه هذه العصابات التي تسلّحت برعاية نتنياهو بجماعات مثل “داعش”، لا يمكن التنبؤ بمساراتها ولا السيطرة على تحرّكاتها.
وذهب أبعد من ذلك بالتحذير من فقدان السيطرة على تلك الأسلحة، قائلاً بصراحة: “لا نملك أي وسيلة لتعقّبها أو مراقبتها”، في إقرار صريح بأن ما تمّ ليس مجرد خطأ، بل مغامرة أمنية عمياء قد تنقلب على تل أبيب نفسها.
وفي ظل هذه الفضيحة المتدحرجة، تعود إلى الواجهة أسماء مثل ياسر أبو شباب، وقصته التي شغلت الرأي العام بعد ظهوره في فيديو يروّج للعودة إلى مناطق خطرة شرق رفح، تحت ذريعة أنها “آمنة وبحماية الشرعية الفلسطينية”.
لكن من يقف خلف هذا الخطاب لم يكن سوى رجل يرتبط مباشرة بمنظومة تنسيق أمني خفيّ، يتجاوز العمل المدني لتنفيذ مهام استخبارية، بعضها يخدم الاحتلال في تعقّب المقاومين.
عصابة ياسر أبو شباب
ما كشفه ليبرمان لا يمكن فصله عن هذه الحلقات المترابطة. فالسلاح الذي تحدّث عنه ليس شحنة واحدة، بل مشروع استراتيجي لإعادة تشكيل البيئة الأمنية في غزة على الطريقة الإسرائيلية تفكيك المقاومة من الداخل، وبناء نماذج هجينة من “الشرعية الزائفة”، تعمل كواجهات فلسطينية لكنها ترتبط بالاحتلال تنظيميًا ولوجستيًا.
وهي نسخة محلية من جيش لحد في جنوب لبنان، أو ما يشبه “الصحوات” التي أُنشئت في العراق لتطويق المقاومة باسم الحرب على الفوضى.
بهاء بعلوشة يدعم ياسر أبو شباب
اللافت أن ليبرمان، المعروف بتطرفه، كان صوت العقل الوحيد في مشهد الجنون السياسي الإسرائيلي. إذ دق ناقوس الخطر من بوابة الأمن، لا من باب الأخلاق. لم يقل إن هذا التصرف خيانة للفلسطينيين أو مؤامرة على مشروعهم الوطني، بل قال إنه تهديد مباشر لإسرائيل نفسها.
ومع ذلك، لم يصدر عن نتنياهو أي نفي أو توضيح، وكأن الأمر يُدار تحت مظلّة “الضرورات الأمنية” التي تبرّر كل شيء، حتى دعم العصابات.
الصمت الرسمي أمام هذه الفضيحة يضع المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية في خانة الاتهام. لكن الأخطر من ذلك، هو ما إذا كانت جهات فلسطينية، سواء من داخل غزة أو من الضفة الغربية، على علم أو تواطؤ غير مباشر مع هذه التشكيلات.
والتصريحات التي أطلقها أبو شباب عن “الشرعية” لا يمكن أن تمر دون ردّ واضح من السلطة الفلسطينية، التي لا يملك أحد أن يتحدث باسمها بهذه الخطورة دون محاسبة أو توضيح.
ياسر أبو شباب ويكيبيديا
الفلسطينيون اليوم أمام مرحلة حساسة تتطلب وعيًا شعبيًا جماعيًا، فالخطر لم يعد فقط في قنابل الطائرات، بل في الأدوات الناعمة التي تُزرع وسط النسيج الوطني لتمزيقه من الداخل.
وقد أظهر بيان عائلة أبو شباب، التي تبرأت من ابنها، ومعه أصوات من سكان الشوكة ورفح، أن المجتمع الفلسطيني لا يزال يقظًا، ولا يقبل أن يُستغفَل باسم الشرعية أو المساعدات أو الأمن.
وإن ما قاله ليبرمان لا يمكن اعتباره زلّة لسان، بل هو وثيقة اتهام، وصرخة تحذير، ومؤشر خطير على طبيعة المشروع الإسرائيلي الجديد وهو صُنع ميليشيات بالوكالة، ترفع شعارات إنسانية أو وطنية، لكنها تنفّذ أجندة أمنية تستهدف تفكيك المقاومة واستنزاف غزة من الداخل.
وهذه ليست أزمة داخلية إسرائيلية فحسب، بل إنذار للفلسطينيين بأن الحرب القادمة قد تكون داخل البيت، وبأيادٍ تحمل سلاحًا إسرائيليًا لكنها ترتدي وجوهًا فلسطينية.