
بينما يمضي الاحتلال الإسرائيلي قدمًا في تنفيذ مخطط يهدف إلى تحويل منطقة رفح إلى مربعات احتجاز ضخمة للنازحين الفلسطينيين، تواصل السلطة الفلسطينية تجاهل ما يُعتبر من أخطر المشاريع الهادفة لتصفية الوجود الفلسطيني في غزة، لا موقف، لا إدانة، ولا حتى تصريح خجول، وسط صدمة الشارع الفلسطيني واستغراب الأوساط الحقوقية.
رفح تُخنق خلف الأسلاك
التحرك الإسرائيلي يتم تحت عنوان “حل إنساني مؤقت”، لكن التفاصيل على الأرض تكشف نوايا مغايرة وهي إنشاء ما يشبه الكانتونات أو “الغيتوهات”، حيث يُجبر عشرات آلاف النازحين على العيش في مناطق ضيقة مغلقة بالأسلاك الشائكة، ضمن رقابة أمنية مشددة، وبظروف تفتقر لأدنى حقوق الإنسان.
المنظمات الأممية، وفي مقدمتها “الأونروا” و”أوتشا”، لم تتردد في وصف الخطة بأنها جريمة تهجير قسري وجزء من مخطط طويل الأمد لعزل غزة ديموغرافيًا وسياسيًا عن باقي الأرض الفلسطينية، لكن الغريب أن هذا التحذير لم يُقابل بأي تحرك رسمي فلسطيني جاد.
أبو مازن مشغول بنزع السلاح
ورغم كل هذه المؤشرات، لا يزال موقف السلطة الفلسطينية غارقًا في الصمت. لا بيان من الرئاسة، ولا تحرك من الدبلوماسية الرسمية، ولا أي محاولة لوقف المشروع أو حتى فضحه إعلاميًا.
والأسوأ من ذلك، أن هذا الغياب يأتي متزامنًا مع نشاط سياسي خارجي للرئيس محمود عباس، تُطلق خلاله تصريحات تركز على “نزع سلاح المقاومة”، وكأن ما يحدث في غزة شأنٌ لا يعنيه.
واعتبر محللون هذا التجاهل امتدادًا لنهج التهرب من المسؤولية، وربما يشير إلى قبول ضمني بالوقائع التي يفرضها الاحتلال، خاصة إذا كانت تلك الوقائع تساهم في ترسيخ واقع سياسي جديد تُقصى فيه المقاومة وتُعزل غزة عن أي مشروع وطني جامع.
الاحتلال يُقنّن التهجير في رفح
وما تفعله إسرائيل اليوم في رفح ليس مجرد خطة أمنية، بل عملية إعادة هندسة شاملة للمجتمع الفلسطيني في غزة. إنها محاولة لنقل القضية من “حق العودة” إلى “واقع النزوح الدائم”، ومن “تحرير الأرض” إلى “إدارة الأزمة”.
وحذر محللون من أن عدم مواجهة هذا المخطط برفض فلسطيني واضح وموقف سياسي وإعلامي حازم، يعني أن المستقبل سيحمل مزيدًا من التجزئة والانهيار الكامل لأي مشروع وطني فلسطيني جامع.
وأضافوا أن “الرهان اليوم لا يمكن أن يبقى على بيانات الشجب والإدانة، بل يجب أن يتحول إلى تحرك ميداني ودبلوماسي يجبر الاحتلال على التراجع، ويُعيد للسلطة الفلسطينية دورها الطبيعي في حماية الحقوق الوطنية بدل الوقوف متفرجة على سحقها. فأمام مشهد التهجير والاقتلاع، الصمت لا يُعد حيادًا… بل تفريطًا مقصودًا بحقوق شعب بأكمله”.